للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

ولا ريب أن آثار المبادئ الظاهرة بكل وضوح في الأعمال والمواقف، تظهر خلال الفترة التي يدخل فيها المشروع الديمقراطي الإسلامي في قيد التحقيق.

فإذا وجدنا في الآية السابقة النص النظري الذي تقوم عليه عدالة القضاء الإسلامي، فإننا نجد في وثيقة أخرى الصورة الواقعية لهذه العدالة، فهذه الوثيقة التاريخية التي من شأن القضاء الإسلامي أن يعتزّ بها، هي وصية عمر رضي الله عنه للقاضي أبي موسى الأشعري، الذي كان بمثابة النائب العام للجمهورية في أيامنا، إذ يقول له:

((آسِ- أو ساو- بين الناس في وجهك ومجلسك وقضائك حتى لا يطمع شريفٌ في حيفك، ولا ييأس ضعيفٌ من عدلك)).

إن هذه الوصية لم تبق رسالة مهملة، بل كان أثرها بليغاً في الواقع. كما تدلُّ على ذلك الأمثال الكثيرة في عهد التخلق الديمقراطي الإسلامي.

وهذه التفاصيل كلها، تكون في الحقيقة السمات العامة لا يسمى ديمقراطية سياسية، أي سمات النظام الذي يمنح الفرد الضمانات اللازمة ضدّ كل تعدّ من جانب الحكم. والإسلام نظام من هذا النوع حتى في الصورة الشكلية، التي يتكون عليها الحكم الإسلامي، حيث إن رئيس الدولة يستلم سلطاته بمقتضى مبايعة الأمة- أو الشعب كما نقول اليوم- ممثلةً في بعض الرجال البارزين خلقاً وعقلاً، يمثلون هيئة على نمط مجلس شيوخ، يعينون الخليفة بالمبايعة طبقاً لمبدأ الشورى الذي يقرره القرآن بصورة خاصة، عندما يوصي النّبي - صلى الله عليه وسلم - {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران: ٣/ ١٥٩]. أو بصورة عامة {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى: ٤٢/ ٣٨].

فعلى هذه الاعتبارات، يصح القول بأن الحكم الإسلامي ديمقراطي في مصدره وفي عمله، كما قدمنا. والإسلام يتضن كل السمات التي تطبع الديمقراطية

<<  <   >  >>