فعندما يقرر القرآن الزكاة، فإنه يضع أساس تشريع اجتماعي عام، قبل أن تدرج في العالم الأفكار الاجتماعية التي ألفناها فيه اليوم.
فعندما يصف الرسول ضرورة هذا المبدأ، فإنه يصفه بمبررات تزعم الاشتراكية أنها تنفرد بها اليوم، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: «إن الله اقتطع من أموال المسلمين الأغنياء نصيباً هو نصيب الفقراء، لأن الفقراء، لا يجوعون ولا يعرون إلا بسبب الأغنياء)).
وهذا المبدأ، كالمبادئ التي يقررها القرآن والسُّنة، لا تحققه أعمال الأفراد فحسب- حيث أن كل مسلم يحاول القيام بهذا الواجب حتى في أيامنا- بل أعمال الحكم أيضاً، وآثاره المرئية تظهر في التوجيهات الحكومية في عهد التخلق الديمقراطي وفي السيرة، حيث نجد هذه الآثار واضحة؛ فعمر رضي الله تعالى عنه سمع مولوداً يبكي، وقد علم أنه يبكي لأن أمه قد فطمته، لتحصل على منحة يدفعها بيت المال للأمهات اللواتي فطمن أولادهن، فأذاع الخليفة في المدينة لائحةً خاصةً بالأمهات المرضعات، يقول لهن:((ألا لا تعجلوا صبيانكم على الفطام فإنا نفرض لكل مولودٍ في الإسلام)).
فهذه اللائحة تعطينا فكرة عن تنظيم الحضانة الرسمية للأطفال، هذه الحضانة التي لم تتحقق بهذه الصورة حتى اليوم في أوروبا، إذ أن مثل هذه المنح عندما تدفعها حكومة أوروبية، فإنها لا تكون باسم الطفل مباشرة، كالمنحة التي يقدمها بيت المال في زمان عمر، وإنما تقدمها باسم (منحة الأمومة)، فالنتيجة واحدة لا شك، ولكن بين الطريقتين شيء من الاختلاف يميز الطريقة الإسلامية في العهد الديمقراطي.
ولا شك أننا نعجب بهذا المثل، لا يبدو فيه لرجل الدولة مثل عمر من سمو الضمير، ومن اهتمام بواجباته نحو الجمهور، ولكن في مناسبة أخرى نرى أن الجمهور