شخصيته، والجيل الذي أنا منه يدين له بذلك النصيب، على الأقل في المحافظة على شخصيته الإسلامية.
إنني على سبيل المثالى، قد اكتشفت وأنا بين الخامسة عشر والعشرين من العمر، أمجاد الحضارة الإسلامية في ترجمة دوسلان لمقدمة ابن خلدون، وفيما كتب دوزي عنها وأحمد رضا بعد الحرب العالمية الأولى.
وإنني على إدراك تام لما أدين به لهذه المطالعات، وقد ذكرت ذلك في الجزء الأول من (مذكرات شاهد القرن)، والآن، وأنا قد تجاوزت الستين من العمر، أستطيع أكثر من ذي قبل، تقدير هذا العلاج للفكر وللضمير لا في النطاق الشخصي فحسب، بل في النطاق الشامل للمجتمع الإسلامي طيلة أربعين سنة بعد تجربتي، فأرى أن أقرر هنا، مع الاختصار اللازم لهذا الغرض أن مساوئ طريقة هذا العلاج تظهر لي بالتالي أكثر من حسناتها وذلك لأسباب متعددة.
فالسبب الأول: لأنه بديهي نلاحظه في الآثار النفسية لأسلوب التكوين، أي البيداغوجية، بالنحو الذي نشير إليه بمثل بسيط:
إننا عندما نتحدث إلى فقير، لا يجد ما يسد به الرمق في يومه، عن الثروة الطائلة التي كانت لآبائه وأجداده، إنما نأتيه بنصيب من التسلية عن متاعبه، بوسيلة مخدر يعزل فكره مؤقتاً وضميره عن الشعور بها، إننا قطعاً لا نشفيها.
فكذلك لا نشفي أمراض مجتمع بذكر أمجاد ماضيه، ولا شك أن أولئك الماهرين في فن القصص قد قصوا للأجيال المسلمة في عهد ما بعد الموحدين قصة ألف ليلة وليلة، وتركوا بذلك أثر كل سمر، نشوة تخامر مستمعيهم حتى يناموا فتنغلق أجفانهم على صورة ساحرة لماضٍ مترف.