ولكن سوف تستيقظ هذه الجماهير في الغد، فتنفتح أبصارهم من جديد، على مشهد الواقع القاسي الذي يحيط بها في وضعها الذي لا تغبط عليه اليوم.
فالأدب، الذي ينشد (عصور الأنوار) للحضارة الإسلامية يؤدي أولاً هذين الدورين، أنه أتاح في مرحلة معينة الجواب اللائق للتحدي الثقافي الغربي وحافظ هكذا مع عوامل أخرى على الشخصية الإسلامية، ولكنه من ناحية أخرى، صبّ في هذه الشخصية الإعجاب بالشيء الغريب، ولم يطبعها بما يطابق عصر الفعالية والميكانيك.
وليست هذه الملاحظة مجرد شيء عابر نمرّ عليه في هذا العرض مرّ الكرام، بل يجب أن نقف عندها بكل اهتمام وتأمل، ولذا كانت أهميتها تلوح لنا من الجانب الاجتماعي من دون أي تردد، فإنها تتخذ صورة أوضح إذا ما طرحناها على صعيد معركة الأفكار، التي تجتاح العالم اليوم بصورة عامة والمجتمع الإسلامي بصورة خاصة.
وهنا تجب كلمة عن هذا المفهوم الذي نعنيه بـ (الصراع الفكري) في العالم الإسلامي، يجب أن نقرر مبدئياً هذه القاعدة العامة، ألا وهي أنه عندما يطرح مسلم أو بعض المسلمين مشكلةً ما تهمّ مجتمعهم، فإن هذه المشكلة تكون قد طرحت أو ستطرح عاجلاً في أوساط المتخصصين في هذه الدراسات لحساب وتحت إشراف الاستعمار (١).
(١) ليس المقصود بكلمة استعمار مجرد الاحتلال الفعلي للأرض فبن نبي يستعمل هذه الكلمة للدلالة على كل محاولة أو كل عمل يميل إلى فرض أيديولوجيته أو معتقداته أو قيمه على مجتمع معين. فالشيوعية والليبرالية من هذا المنظار هما شكلان من أشكال الاستعمار الأيديولوجي. بمعنى أن كليهما يتجابهان لكي يبسطا سيطرتهما على العالم، ولكنهما يبقيان مع ذلك تعبيرين متناقضين في الشكل إنما هما نتاج ظاهرة حضارية واحدة. [ط. ف].