للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الإسلامي، حتى حين بدأ ذلك العصر في حركة الجزر الحضري، ما كان ليتعرض للعوامل نفسها التي حدَّت من عمله العلمي، وبالتالي حطمت حياته، وإننا لنرى في أوائل القرن الرابع الهجري، أحد كبار الملحدين في ذلك العصر (ابن الراوندي) المذكور في كتاب الزركلي (١)، نراه ينتقص من شخص النبي الأمي عليه الصلاة والسلام فيقول في شأنه: ((لقد تحجر عريضاً ابن أبي كبشة حين ادعى أنه خاتم الأنبياء)) والمشار إليه بابن أبي كبشة معروف لدى الجميع، ومع هذا لم نرَ محكمة تفتيش تنعقد من أجل محاكة وإدانة هذا التعدي البليغ على أكبر شخصية في الإسلام، بحيث نرى صاحبه يلجأ بالتالي إلى انتحارٍ أثناء حجه إلى مكة.

وأكثر من هذا، كان اليهودي يستطيع التعدي على عزة القرآن ذاته، دون أن تنزل به أي كارثة، ما عدا الردود المنتظرة مثل الرد المفحم الذي ورد من ابن حزم حين انتقد يهودي من يهود الأندلس، القرآن الكريم نقداً غير نزيهٍ، فأفحمه ابن حزم في (رسالة ابن النجريلة) المشهورة.

وهذه الحالات المتطرفة قطعاً، إن دلت على شيء إنما تدل على أن المناخ العقلي الجديد، الذي تمتع به المجتمع الإسلامي عندما كان القدوة والنموذج في العالم، ما كان يعرف الإكراه كوسيلة قمعٍ للفكر ولحرية الرأي.

وما كان دور عوامل الحرمان إلا في بعض الحالات الشاذة، مثل القضية التي طرحها عصر المأمون بشأن القرآن، هل هو مخلوقٌ أم سرمديٌّ؟، وحتى في هذه


(١) هو أحمد بن يحي بن إسحاق، أبو الحسين الراوندي ( ... - ٢٩٨هـ): فيلسوف مجاهر بالإلحاد، من سكان بغداد، نسبته إلى (راوند) من قرى أصبهان. قال ابن كثير: هو أحد مشاهير الزنادقة، طلبه السلطان فهرب، ولجأ إلى ابن لاوي اليهودي (بالأهواز) وصنف له في مدة مقامه عنده كتابه الذي سماه (الدامغ للقرآن). (الأعلام للزركلي جـ١).

<<  <   >  >>