يحقِّقا ذلك التَّحرُّر تحقيقاً تامّاً، لأن طريقة سيرهما قد ظلت رهينة لكل من علم الكلام والمغيَّبات.
وكان كتاب (شروط النهضة) يمثل أوَّل جهد لعقل مسلم يستعيد (للإسلام) معناه التاريخي، لأنَّ الإسلام يتكامل ضمنه مع تركيب متآلف وأساسي للإنسان، والتراب والزمن.
ولقد أدرك الاستعمارُ أكثر من ساستنا، القيمة الثورية لهذا التعبير الجديد عن الإسلام؛ ويقتضينا الواجب أن نضيف إلى ذلك أنه أقدم على عمل جريء لكي لا يجد هذا التصوُّرُ طريقه إلى الوعي الإسلامي.
فالمحاضرات الثلاثة المنشورة هنا تشكِّل كُلاًّ متكاملاً، كما تُسَجَّل ضمن اهتمامات المؤلف منذ حوالي عشرين سنة. وهي تأتي في وقتها المناسب لتسدَّ ثغرة في سياسة جزائريَّة تزحمها المشاكل العاجلة وتجعلها تُضيع من هنا بالذات كل فعَّاليَّتها.
ذلك أن السياسة لا يمكنها أن تغيِّر مصير مجتمع معين ما لم يتم تحديدها في كنف تصوُّر عام للعالم باعتبارها التعبير العيني الملموس لثقافة حضارة مُرتَسِمة على مُخَطَّط تعبئة ( Tactique) واستراتيجيَّة وطنيَّتَيْن.
وغداة انعقاد مؤتمر جبهة التحرير الوطني، أُريد أن أُلِحَّ في هذه المقدِّمة على أهمِّيّة المشكلة المفاهيميَّة، لأن:((المفهوميَّة، ليست مجرد مجموع أفكار شتيتة، ولكنها مُسَيَّرَةُ الطاقات، والسَّهم الذي يُعَيِّن للجماعة طريقها في التاريخ)).
بينما نحن نعلم منذ الاستقلال أننا نمتلك برنامجاً: هو برنامج طرابلس، ولكننا لا نمتلك مفهومية. وهذا الفراغ الذي يشغل ويحيِّر الوطنيِّين الواعين، يشبع مطامع بعض المفاميِّين المشردين من أوطاضهم ( Cosmopolites) من