للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(فابن سينا) لم يكن يعدو مجرَّدَ مُعطىً مُضْمَرَ ضمن أحَدِ (الصَّبْغِيَّات) (١)، والظروف العامة للمجتمع الإسلامي في عصره هي التي حقَّقتْه بالصورة التي برز عليها إلى الوجود.

ويمكننا أن نترجم ذلك بطريقة أخرى، بالاستناد إلى تلك القاعدة المعروفة في المنطق الدَّارج، والقائلة بأن النَّتيجة لا تسبق سببها، أو بالاستناد كذلك إلى مجرد الإدراك السليم للفلاح الذي يعلم أن المحراث لا يوضع أمام الثيران.

وكل ذلك يسمح لنا باستخدام صيغة تكوِّن بديهيَّة أساسية بالنسبة إلى هذا العرض: فالحضارة هي التي تصنع منتجاتها (الآلة البخارية، والثلاجة، أو الطائرة سواء)، وليست منتجاتها هي التي تصنعها. ولقد تمَّ التَّثَبُّث من أهمية هذه البديهية المقرَّرة في علاقتها بكل من علم المناهج ( Méthodologie) وعلم الاجتماع، بطريقة الْخُلْف ( par l'absurde) على نحو من الأنحاء، في المجتمع الإسلامي منذ قرن من الزمان، كما سنقوم ببيان ذلك فيما يلي:

فلو كانت النهضة الإسلامية قد اعتمدت أقلَّ منهج نقديٍّ إزاءَ ما استعصى عليها حله من مشاكل، لاتَّضح لها ذلك الخُلْفُ (أو تلك اللاَّمعقوليَّة)، بطرحها لمجرد هذا السؤال البسيط:

- ((هل كان هناك قبل الآلة البخاريَّة، وقبل ليونارد دي فانشي، وقبل القديس توما اللإكويني ( Saint Thomas D'Aquin) ، شيء ما، واطراد تاريخيٍّ معين، انْطَوَى في داخله على بذرة جميع اللحظات الزمنيَّة لفكر المجتمع الغربيِّ ونشاطه ابتداء من تَشَكُّل هذا المجتمع الذي لا زال ينطوي حتى هذا الحين على بذور نجهلها؟)).


(١) يترجم المعرّبون كلمة (كروموزوم Chromosome) : بالصّبْغِيّ، أي: بتذكير المفرد، ويجمعونها على (صَبْغِيَّات). (المترجم).

<<  <   >  >>