للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وذلك منذ ميلاد الحركة العصريَّة التجديديَّة، والحركة الإصلاحيَّة. ولكن المحاولة لم تكن في هذا الميدان بالخصوص موجهة بمقتضى عملية تخطيطيَّة، لأنها سلكت طرق الخبرة الساذجة. فقد حدث أن نسي الصبح بالمدرسة أن يقوم بإصلاح نفسه، وكان (رجل الصَّفوة المتعلِّمة) الذي تلقَّى دروسه بالمدرسة العصريَّة، والذي ربما أُتيح له أن يستكمل دراساته بباريس، منفصلاً في قليل أو كثير عن وسط آبائه، وعن المعارك الدائرة بهذا الوسط، فيما عدا بعض المعارك الانتخابيّة (١). إلا أنه يجب علينا على الأقل أن نعزو إلى حساب هذه الحركة الإصلاحيّة عمليّة تصفية ذلك القسط هن راسبنا الثَّقافي السلبيّ المتمثِّل في النَّزعة المرابطيّة.

ولكن (الفراغ الثَّقافي) يبلغ إجمالاً في حالة المتعلِّم المستغرب، حدّاً يضاعف من خطورته فراغ اجتماعي معيّن، وذلك عندما يقوم هذا المتعلِّم بشَجْبِ جميع الرّوابط التي تصله بوسط آبائه، وأحياناً مع أُسرته نفسها. وكان هذا الانْبِتاتُ الاجتماعيُّ يتخذ في بعض الأحيان بُعْدَ الفضيحة عندما تقوم إحدى العائلات بنبذ أحد أبنائها. ومثال ذلك ما حدث حوالي سنة ١٩٣٠م، عندما نشر أحد المتعلِّمين الجزائريين بباريس كتاباً أثار موجة غضب في سائر البلاد لأنه مَسَّ بكرامتها. كما كان يتَّخذ كذلك شكلاً أكثر شيوعاً وهو ما يتمثَّل في ذلك المروق الذي يدعو الأفراد إلى استبدال جنسيتهم، الأمر الذي كان رائجاً في الجيل السابق.

وهكذا يبدو لنا أن نتيجة المدرسة قد كانت سلبيّة في غالب الأحيان على الصعيد الاجتماعي. ولكن هذا التَّقويم نفسه، يمكننا استخلاص فائدة معيّنة، من تجربة وطنيَّة معاشة، وذلك في اعتبارنا لحدودها في صورتها النسبيّة، ذلك


(١) في هذا القسم يلمح الكاتب إلى الحياة السياسية في الجزائر قبل اندلاع الثورة. [ط. ف].

<<  <   >  >>