والمدرسة عامل مساعد من عوامل الثقافة، ولكننا نخطئُ في تقدير وظيفتها عندما نعتقد أن في إمكانها أن تحلَّ مشكلة الثقافة وحدها.
وهي لا يمكنها أن تقوم بدور العامل المساعد إلا في الحدود التي تندمج فيها وظيفتها ضمن الخطوط الكبرى لمشروع ثقافة، على المنوال الذي تجري فيه الآن محاولة إنجاز ذلك في إطار التعليم الجزائري الذي تواجهنا جميع مشاكله، وفي مستوى التعليم الابتدائي بالخصوص، ضمن حدود التكوين بدلاً من حدود المعرفة.
إلا أنه يتعيّن علينا على أيَّة حال أن لا نضيع فائدة تجربتنا، طوال نصف القرن الماضي، وهي المتمثلة في إدراكنا أن الثقافة تمثل ظاهرة بيئة، قبل أن تكون ظاهرة مدرسة (١).
ولكي نقوم بإعداد ثقافة يجب أن نركِّز انتباهنا على مجموع الإطار الثقافي، على المنوال نفسه الذي يتمُّ فيه إنجاز ذلك خلال بعض التجارب الراهنة، وخاصة بالجمهورية الصينية، حيث شرع في تغيير البيئة على مستوى قد يثير دهشة الملاحظ الغربيِّ أحياناً، لا سيما إذا كان قد أنِسَ الوجه التقليديّ للصين القديمة، وذلك عندما يشاهد على سبيل المثال بائع الفطائر وهو يرتدي الكساء الأبيض النقيّ، ويتناول أقراص بضاعته بملاقط من النِّيكل، وكأنه أحد أطباء الجراحة.
ولا يهمنا كثيراً إذا كانت هذه الجزئية، التي ينعكس من خلالها ذلك التحوُّل، ستدعو هاوِي الفلكلور إلى الابتسام حيالها، ولكن الذي يهمنا هو أن ننظر إليها باعتبارها مقابلاً واقعياً لتحوُّل شامل لوجوه السلوك.
(١) بيئة، محيط، ذلك الذي يحيط، وفي إطاره نتطور. إنه الوسط في تعبير علم النفس والجو في علم الطبيعة. [ط. ف].