للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فكل جزئية تندرج مع علامتها السالبة أو الموجبة ضمن تقويم ثقافة معينة، لأن كل جزئية تافهة أو غير مألوفة تَشيعُ داخل البيئة التي يتطور ضمنها الراعي والعالم سواء، من شأْنها أن تدعو الطفل الناشئ إليها، وتقيم معه منذ ميلاده حواراً يظل مستمراً حتى شيخوخته، بحيث ينطبع في كل حدّ من حدوده على ذاتيته، وعلى شخصيته ووجوه الإلهام الخلاقة التي تسجِّل أعظم لحظات العبقرية البشرية، كانت مرتبطة بجزئيات تبدو في ظاهرها غير ذات معنى، من قبيل: الحوض بالنسبة إلى أرشميدس ( Archimède)، والتفاحة بالنسبة إلى نيوتن ( Newton)، وآنية غليان الماء بالنسبة إلى دنيس بابان ( Denis Papin)، وفوَّارة الماء بالنسبة إلى ليست ( List).

وعلى هذا فإن مشروع ثقافة معينة، يجب أن يشمل سائر البيئة مع اعتباره للجزئية حسب علاقتها السلبية أو الإيجابية، وحسب انخراطها ضمن رصيد ثقافي فعَّال، أو ضمن ركام سالب. فمشكلة الثقافة تطرح ضمن هذا المظهر المزدوج بالذات. إلا أننا في اهتمامنا بالمنهج الذي نعتمده، لا نتناولها هنا إلا ضمن مظهرها الأول أي الموجب، تاركين المظهر الثاني السلبيّ لغيرنا من الباحثين أو لمناسبات أُخرى.

ومع هذا يتعيَّن علينا أن نلحَّ على أهمية مظهرها السلبي، وخاصة عندما يجب على أحد المجتمعات أن يشرع في التخلُّص من رواسبه البالية، وفي وضع الأُسس التي يقوم عليها نظام جديد، كما كان يفعل إبراهيم عليه السلام عندما كان يمسك بمِعْوَلِه ويحطِّم أوثان المدينة التي ولد فيها من بلاد الكلدانيين، لكي يُرْسي الدعائم الراسخة لعالم التوحيد.

فالمسألة تقوم بالنسبة إلى الجيل الذي حقق الثورة الجزائرية، في الاضطلاع بمشروع ثقافة يكون في مستوى مهامِّ الثورة، حسب ما نُصَّ عليها في برنامج

<<  <   >  >>