للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طرابلس، مع أخذه بعين الاعتبار للمشاكل النوعية الخاصة بالتخلُّف وباللافعَّاليّة (١). فقد علَّمتنا تجربتنا بالجزائر أن الثقافة لا تُسْتَورَدُ بنقلها من مكان إلى آخر، بل يجب خَلْقُها في المكان نفسه، لأن البيئة ليست إحدى لوحات الرسم التي نفكُّها من مسمار الجدار الذي عُلِّقت عليه، لكي ننقلها إلى منزلنا.

مضافاً إلى ذلك أن البيئة تقدِّم لنا عناصرها على صورة متراكمة وغير منظَّمة. ولهذا يتعيَّن علينا أن نقوم بترتيب عناصرها لكي ندرج احتشادها ضمن إطار موحِّد.

ونحن نلاحظ في احتكاكنا للوهلة الأُولى بعملية الترتيب هذه، أنها تتمُّ في الحياة الاجتماعية بطريقة تلقائية على نحو ما، في شكل أُسلوب معيَّن للحياة خاص بالمجتمع المتحضَّر، وسلوك معيّن خاص بأفراده.

ويمثل هذا تركيباً أوَّليّاً للعناصر الثقافية، ولكننا نلاحظ في الوقت نفسه وكنتيجة أُولى مترتبة على هذا التركيب المتآلف، وجود نشاط متبادَل بين أُسلوب الحياة، وبين السلوك، بطريقة تجعل أحدهما يرمي إلى الاحتفاظ بالآخر في خط مطلبه واقتضائه الخاص.

وبعبارة أُخرى فإن المجتمع يقتضي سلوكاً معيناً من الأفراد، وهؤلاء يقومون بردِّ الفعل عن طريق اقتضائهم الخاص في صورة أسلوب معيّن للحياة، بحيث يتم هذا التبادل الذي يتولَّى تعديل الإطار الثقافي بطريقة ذاتية في صورة إرغام اجتماعي من ناحية، وعملية نقدية من ناحية أُخرى.

فعندما يقوم مجتمع بدائي بوضع المحرمات ( tabous) حول تقاليده، ومعتقداته، وأذواقه، واستعمالاته، لا يكون (المحرَّم) مَدْعاةً للضحك في ذاته


(١) عندما نشرنا هذه المحاضرات لم يكن قد أعلن الميثاق الوطني بعد. [ط. ف].

<<  <   >  >>