للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- وذلك على افتراض أن هناك ما يدعو إلى السخرية في هذا المجال- ولكنه الفراغ الثقافي، أو اللاثقافة التي يقوم بالدفاع عليها، وأعني بهذا مجموعة الأسباب التي تستبقي هذا المجتمع على ما هو عليه من ركود.

أما بالنسبة إلى مجتمع تاريخيّ، فإن دفاعه عن أُسلوب حياته، هو دفاع عن شخصيته، وعن مبدأ إدماج أفراده في نطاقه، وتحديد علاقاتهم به بحيث يصبحون بمثابة التعريف به، كما يصبح مجتمعهم بمثابة المعرِّف لهم، فالإرغام الاجتماعي، والموقف النقديّ للفرد- سواء كان هذا الفرد واعظاً في جمعية إرشاد، أو صحفياً في جريدة أُسبوعية، أو شاعراً هزلياً، أو فناناً مهتماً بالجماليات، أو ناقداً أدبياً، أو ناقداً سياسياً، أو قاضياً عدلياً- هما المظهران الأساسيان لثقافة معينة في وظيفتها الاجتماعية.

ففي المجتمع المتحضر يقع كل خطأ في الأسلوب تحت طائلة النقد، ويقع كل خطأ في السلوك تحت إرغام المجتمع. وبواسطة هذه الوظيفة الثنائية الجانب يحافظ المجتمع على نقاوة أُسلوبه، وعلى الصفات المميزة لفعَّاليته. وهذه الوظيفة إنما هي على وجه الدقة وظيفة الثقافة بالذات: كما أن كلَّ ثقافة تُحدَّد في أصلها على هذه القاعدة من الضمانات المتبادلة بين الجسم الاجتماعي والفرد.

ومبدأ التبادل هذا هو الذي وضعه القرآن بصورة مجملة عند تعريفه للمسلمين على الوجه التالي: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ٣/ ١١٠].

فوظيفة الثقافة الإسلامية هي المعنيَّة في وضوح ضمن هذا الفرض الذي يرمي في جلاء إلى الدفاع عن أُسلوب المدينة المسلمة، كما أن هذا المبدأ قد تناولته السُّنة النَّبوية في أكثر من موضع، وخاصة في مَثَلِ السفينة الرمزيِّ التي يوجد على ظهرها عدد معين من المسافرين، وكان بعضهم على جسرها، في مواجهة السماء،

<<  <   >  >>