للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهم يمثلون هنا العنصر الواضح المرئيّ من المجتمع، أي المجتمع ذاته، وبعضهم الآخر في قاع السفينة، وهم يمثلون هنا العنصر الْمُعْتم، اللامرئيَّ، والخفيَّ من المجتمع، أي الشُّذَّاذ، وضروب السلوك الهامشية.

ويقدم لنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - هؤلاء الأخيرين ضمن صورة مؤامرة تواطؤوا خلالها فيما بينهم على القيام بثقب حاجز السفينة، حتى يتمكنوا من استجلاب الماء من هذا الثقب دون الصعود إلى الجسر. فكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول للأولين: إذا تركتموهم يقومون بذلك، فإنهم سيهلكون وستهلكون أنتم بدوركم معهم، وإذا ضربتم على أيديهم، فإنكم ستنجون وستنجونهم بدورهم معكم.

وكل ثقافة يجب أن تتولى الدفاع عن تراثها وذلك بأن تضع أولاً بين الجسم الاجتماعي والفرد ذلك التبادر الذي يُقَوِّم الأخطاء من حيثما تأتَّتْ ومهما يكن مصدرها.

إلا أن هذه المبادلة لا يمكن أن تمارس إلا إذا تمَّ ربط الفرد بالجسم الاجتماعي؛ بالصورة التي تلتحم بها مادة البناء بكامل البناية، وذلك لكي نستعمل مرة أُخرى صورة مقتبسة عن الرسول.

ودور الثقافة إنما يتمثل على وجه الدقة في خلق هذه اللُّحمة الاجتماعية أولاً وبالذات. وبخصوص هذه الوظيفة يبدوأن الثقافات قد تباينت فيما بينها بحيث آلت إلى نموذجَيْن، متطابقَيْن مع رسالتَيْن اثنتَيْن: فقد أسست الشعوب السامية ثقافتها على احترام القاعدة المتَّبعة، أي على القيم الأخلاقية؛ أما الشعوب الآرية، فقد أقامت حضارتها على القيم الجمالية، وعلى الصورة (أو الشكل) التي بلغت اكتمالها بأثينا، حيث قامت هذه الأخيرة بدورها بنقل شعيرتها هذه إلى عهد النهضة بأُوروبا.

والراجح مما هو مشاهَد أن هناك نموذجاً جديداً بصدد التشكُّل أو هو قد

<<  <   >  >>