للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تشكَّل بالفعل، في المجتمعات التي وَسَمَتْها إرادة القوَّة بمَيسِم القيمة الفنية أو العلميَّة، حسب ما يستخلص من دراسة حديثة النشر خصصت بمجلة الأزمنة العصرية ( Les Temps Modernes) لموضوع (النمو الثقافي بالاتحاد السوفياتي).

ولكن المجتمع يحدِّد باختياره لنموذجه الثقافيِّ الخاص به، جميع شروط تطوُّره حتى منتهاه الأخير- وإن كنت أعتقد أن هذا الاختيار مرتبط بأسباب لا يلتقطها وعيُه في وضوح- ذلك أن ثقافة ما يمكنها أن تَنْتَهِيَ إلى نزعة قطعية معتمة، تستغلُّها إحدى نزعات الدروشة المرابطية، أو إلى خلاعة مطلقة العنان تحكمها إحدى الامبراطوريات الماجنات، كما تمَّ ذلك في عهد الانحلال الذي شاع تحت حكم الإمبراطورة مِسَّالين ( Messaline)، ويمكنها كذلك أن تؤول إلى كارثة نوويَّة محتملة.

والجزائر مدعوة اليوم للقيام باختيارها، ليس لكي تقدِّم محتوى لضروب التسلية الخاصة بصنف معين من الناس، ولكن لكي تعطي مضموناً للنشاطات الأساسية الخاصة بشعب يقف في مواجهة مشاكل حيويَّة.

مضافاً إلى ذلك أنها قد أصبحت على بصيرة من أمرها في قيامها بهذا الاختيار، حيث تُنير أمامها السبيل تجربتها الخاصة، وتجربة الآخرين حتى لا تعمد إلى اختيار مجْحِفٍ بقيمها الثقافية الموروثة، وبوجهاتها المفاهيمية والسياسية، ولا إلى اختيار قاصر لاقتصاره على ذاته.

وإذا كان الوفاءُ للقاعدة المتبعة، والتعلُّق بالقيمة الأخلاقية يجب أن يعملا على شدّ وحدتها الملتحمة، في ربطهما للفرد بالجسم الاجتماعي، فإن الاهتمام بالصورة (أو الشكل)، وشعيرة القيمة الجمالية، يجب أن يعملا على الاحتفاظ لأُسلوب حياتها برونقه. لأنه يتعين أن يكوّن التركيب المتآلف للحقيقة والجمال أساساً لثقافتها. فشعيرة الحق يجب أن تسود في حياة شفافة متخلصة من أوشاب

<<  <   >  >>