للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[العزيمة والرخصة]

في الأصلِ ما شرعَ للأنامِ ... جميعِهم بدءاً من الأحكامِ

فإنه عزيمةٌ مبيَّنَةْ ... وما سواه رخصَةٌ معيَّنَةْ

وطالما لم يطرأِ الترخيصُ ... عليه فهو الأصلُ والتنصيصُ

وفي العزيمة من الأنواعِ ... أربعةٌ تظهر باطِّلاعِ

فالأول الغالب وهو ما شُرِعْ ... من أول الأمر لكل متَّبِعْ

والثان ما شرع للطَّوارئِ ... كالنهيِ عن سبِّ أولي التناوءِ

والثالثُ النَّاسخُ للَّذي سَبَقْ ... فالنَّاسِخُ العزمُ..على هذا اتَفَق

رابِعُها استثني مِمَّا قَدْ حُكِمْ ... كقولِهِ لدى الزَّواجِ ما عُلِمْ

(والمحصناتُ مِنَ نِساءٍ إلاَّ ... ما ملكَتْ أيمانُكم) أَحَلاَّ

والرُّخْصةُ الحكْمُ الذي أثبتَّهُ ... خلاف أصلٍ لدليلٍ سُقْتَهُ

سبَّبَهُ عذرٌ مبيحٌ كالَّذي ... أتاهُ عمَّارُ بنُ ياسِرَ فذِيْ

وتشَملُ الأحكامَ كُلَّها سِوَىْ ... حكمَ المحرَّماتِ فاترُكِ الهَوَىْ

فالواجبُ الأكلُ لِمَنْ يُضْطَرُّ ... لميتةٍ بذاكَ قَد أقَرُّوا

والنَّدبُ كالقصرِ لمن يُسافِرُ ... ثمَّ المُباحُ والطبيبُ ناظِرُ

والرابعُ المكروهُ كالنُّطْقِ بِما ... يكْفُر فيهِ ظاهِراً إنْ أُرْغِما

وتُجْعَلُ الرُّخصةُ أنواعاً على ... أَرْبعةٍ فافهَمْ لما قد أُجْمِلا

أوَّلُها ما أسْقَطَ التكليفا ... عن العِبادِ ثُمَّ لَمْ يَحيفا

عنْ كونِه في أصلهِ محرَّما ... كالأكْلِ للميتَةِ إن تحتَّما

ورجَّحوا الأّخْذَ بها إلاَّ إذا ... أُرغِمَ أنْ يكفُرَ فليقْتَل إِذاً

والثانِ ما جَعَلَهُ مُباحاً ... مع قيامِ سَبَبٍ صُراحاً

معَ التَّراخي موجبٌ لحكمِهِ ... كالفِطْر في سفرِهِ في يومِهِ

فها هُنا العزيمةُ المُفَضَّلَهْ ... إلاَّ إذا عمَّا يُهِمُّ أشْغَلَهْ

والثالثُ المَنْسُوخُ مِنْ شرعِ الألى ... فهو مجازاً رخصةٌ قَدْ جُعِلا

ولا يجوزُ فِعْلُها تشْرِيعَاً ... فكُنْ لما أذكُرهُ سَمِيْعَاً

واعتبَرَ الأحنافُ حكْمَ القَصْرِ ... مجازَ رخصةٍ فذاكَ فانْظُرِ

ولا يجوزُ عندَهُمْ أَنْ تُكْمِلا ... فالرُّخْصَةُ التي بها تَنَزَّلا

واختلَفوا أَيُّهما يُفَضَّلُ ... والشَّاطبِي لَخَّصَ ما تَوَصَّلُوا

فقالَ فِيمَنْ رجَّحُوا العَزيمَةْ ... دليلُهُمْ حقاً عظيمُ القيمَةْ

فأَوَّلاً ثبوتُها بالقَطْعِ ... وتثبتُ الرخصةُ فيها فاسمَعِ

وثانياً عمومُها إِطلاقاً ... والرخصُ عارِضٌ بها اتِّفاقَاً

وأمرُهُ بالصَّبْرِ مثلُ أمرِهِ ... بِها كما النَّبِيُّ عندَ صَبْرِهِ

وأخذُها يَقضي على الذَّرَائِعِ ... وتَرْكُها يُفْضِي إلى التَّمَايُعِ

والأَصْلُ في الشَّرائِعِ التكليفُ ... لا الهونُ والإِسفافُ والتَّخْفيفُ

أمَّا الذينَ أخَذُوا بِالرُّخْصَةِ ... فَذَلَّلُوا مثلَهُمُ بخمْسَةِ

فالظَنُّ كالقَطْعِ لدى الأَحكامِ ... في شرعةِ القرآنِ والإِسْلامِ

وإنَّما يُقَدَّمُ المُخَصَّصُ ... على العمومِ هكذا قد نصَّصُوا

وأَنَّ هذا الدِّينَ يُسْرٌ فيهِ نَصْ ... وربُّنا يُحِبُّ أَنْ تُؤتَى الرُّخَصْ

وأنَّ قصدَهُ بِها التخفيفُ ... فاعمَلْ لما يقصدُهُ اللَّطيف

وتركُها يُودِي إلى السآمَةِ ... وفِعلُها الكفيلُ بالسَّلامةِ

وإِنَّما التَّرجيحُ مِثْلَمَا تَرَى ... فَقَدِّرِ الشِّقَةَ وارفَعِ المِرَاْ

<<  <   >  >>