من الواجبات، والنفور عن العزائم والتشديدات، فلو قيل له لم تسيء صلاتك؟ لقال وما نسبتي إلى العالم فلان، وقد رأيته يصلي كذلك، فإن كنت منكرًا فأنكر عليه فما أنا بأعلم منه ولا أدين منه، ونحو هذا الكلام.
وقس على هذا جميع ما يصدر من المتلبسين بالعلم، فتجد ذلك أعظم الأسباب في جراءة الجاهلين على الذنوب وارتكابهم المعاصي، وقلة مبالاتهم بالمخالفات.
وأشد ما في ذلك على العالم أن العاصي ربما كان يأتي المعصية مع استشعار الخوف والندم وغير ذلك من الأسباب التي تصغر تلك المعصية وإن كانت كبيرة، فإذا رأى العالم يفعلها صغرت في عينيه وهانت في قلبه وأتاها بإقدام وجراءة، فإن كانت صغيرة صارت بذلك كبيرة، وإن كانت كبيرة كانت فاحشة غليظة موبقة، وبعدت عليه التوبة منها لأنه يأتيها بنوع تأويل باطل يرجع إلى تقليد العالم فيها والاقتداء به، وإنما أتاها لعلمه أن فيها رخصة لا يعلمها الجاهل، وإثم جميع ذلك على العالم الذي اقتدى به في الضلال، وإقامة مقام إبليس في الإضلال.
ومثل هذا العالم يجب عليه فيما يرتكبه أمران:
أحدهما: ترك الذنب.
والآخر: إخفاءه عمن يقتدي به فيه.
فكل هذه الأمور وأشباهها مما تعظم به الصغائر وتنتقل إلى رتب الكبائر.
فيجب على مرتكبها إن لم يوفق للتوبة منها أن يحترز عما تنظم به، ولا يغفل عن عظمة من عصاه، ويشكر مولاه على ستر الجميل في مخالفته وحلمه عليه في عصيانه، ويتلبس أبدًا بالندم والانكسار ويتوقع التوبة والعفو بشهود الفاقة والافتقار، ويتطهر ما أمكنه عن الذنوب أجمع فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين.