وقد حكي عن الإمام الحافظ –أبي عبد الله القرطبيّ- رحمه الله- أنه كان على السنة يلبس ما وجد حتى أنه كان يوماً في بيته يغسل له ثوبه ولم يجد شيئاً يلبسه فلبس ثوب زوجته وجلس يشغل ولده الصغير عن أمه حتى تفرغ من غسلها فخمر العجين، واحتاج إلى الخبز فأخذ الطبق على يده والصغير على ذراعه الآخر وخرج إلى الفرن. وإذا بعجوز قد لقيته فطلبت منه أداء شهادة عند الحاكم فذهب معها في الوقت وهو على تلك الحال- العجين على يده وولده على ذراعه وهو لابس قميص زوجته حتى جاء إلى القاضي وجماعة الشهود عنده فأدى الشهادة فقال له القاضي: ما حملك على أن تأتي على هذه الحالة؟
فقال: غسلت ثوبي ولم أجد شيئاً ألبسه غير قميص الزوجة، وكنت أشغل الولد عن أمه، ثم احتجت إلى الخبز فخرجت فلقيتني هذه المرأة وطلبت مني أداء الشهادة وهي واجبة علي، فخفت أن لا يطول العمر، فبادرت إلى خلاص الذمة وبعدها أدرك قضاء حاجتي.
فرد القاضي إلى العدول فقال: أفيكم من يقدر أن يفعل مثل هذا؟
فقالوا: لا.
فقال: وأين العدالة! !
ومثل هذه الحكاية عن السلف الصالح من الصحابة والتابعين وتابعيهم كثير لا ينحصر.
بل كان الغالب على علمائهم التقشف والبذاذة وليس الدون من الثياب كما قال الإمام العارف أبو طالب المكي: قد كان السلف ثوب أحدهم من سبعة دراهم إلى عشرة دراهم وكانوا لا يجاوزون هذا الثمن إلا نادراً.
٢٨٦ / قال: ومما أحدثوه من البدع لبس الثياب الكثيرة الأثمان، انتهى.
وإن عجزت أن تجاهد نفسك في لبس الدون منها، فلا بد وأن تجاهدها في ترك الإسراف فيها والوقوف عند القدر المباح من وسعها وطولها.