الأشرار، فما بال الأخيار؟ قال: إنهم لم يغضبوا لغضبي، فكانوا يواكلونهم ويشاربونهم.
قلت: وفي هذا الأثر، وحديث ابن مسعود الذي قبله دليل على أن من لم يستطع غير لسانه إذا أمر أحدًا بمعروف أو نهاه عن منكر ولم يرجع إليه وجب عليه أن يهجره في الله تعالى، ولا يواكله ولا يشاربه، فإذا فعل ذلك فقد وفى ما عليه، وبراء من الإثم.
وأما من استطاع التغيير باليد فلا يخرج عن عهده الوجوب بالهجر، والله أعلم.
وقال مالك بن دينار: أوحى الله إلى ملك من الملائكة أن اقلب مدينة كذا وكذا على أهلها، قال: يا رب: إن فيهم عبدك فلانًا، ولم يعصك طرفة عين، فقال: اقلبها عليه وعليهم فإن وجهه لم يتمعر ساعة في قط.
وقد رواه الطبراني وغيره من حديث جابر مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
والمحفوظ ما ذكرنا، كذا قاله البيهقي وغيره.
وقوله: فإن وجهه لم يتمعر في: أي لم يتغير في طلب مرضاتي عند انتهاك محارمي وعصيان أمري.
وفي هذا دليل لما تقدم من أن من لم يستطع الإنكار باللسان وأمكنه إظهار الإنكار بالتعبيس وتقطيب الوجه وجب عليه ذلك، والله أعلم.
وقال أبو الدرداء –رضي الله عنه-: «لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم سلطانًا ظالمًا، لا يجل كبيركم ولا يرحم صغيركم ويدعو عليه خياركم فلا يستجاب لهم، ويستنصرون ولا ينصرون، ويستغفرون، فلا يغفر لهم».