[المقدمة]
[بسم الله الرحمن الرحيم]
الحمد لله الذي خلق الخلائق من بسائط متبائنة الأقسام، ونظر من وسائط متغايرة الأقسام، وصير عقولهم شواهد على استنهاج مسالك الأفكار، حتى يوافقوا بها ويخالفوا، قال الله تعالى " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ".
وفرق بين الأسباط والقبائل والبطون والأفخاذ، تفريق روضة بودائع البدائع ناضر، وبحره بلطائف المواصلة والمصاهرة زاخر، ووصل حبل التناسل بعد الثبات، وجمع شمل التوالد بعد الشتات، وقدر أسباب القدرة والقرابة تقديراً، " وخلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً " فالقلوب متفكرة في هذه الصنائع، والألسنة ناطقة بتلك البدائع.
هذا وإن لم يقدر العبد على شرح جلاله وكبريائه، فالروضة مع عجمها ينعي الثناء على الحياء فيفوح، والحمامة على لكنتها تبكي على ألف ناي فتنوح، فسبحانه من إله صير خطوط المحررة كالمناطق، وعقول الإنسان معبرة عنها وهي غير بواسط.
وخلق الثريا كلف بشر إلى الطريق إذا صلت الحداء، والبدر المنير كملك له النجوم عفاء. وصير الآفاق كطرف له اليل سواد، وشعاع النجوم بياض والإنسان فيه فداه.
وجعل الفلك مثل أديم شد الفارس خرامه، أو مثل در تناثر ودع نظامه، وأبدع النجوم مثل درر حملتها ديباجه زرقا، والآفاق مثل كؤوس له الشهب حباب، والدجى ماء جمده أولى بأن تسرف في ترصيع رصفه من أصداف الأفكار درر الكلام. وتسرعف لوصفه أنابيب الأقلام.
والصلاة على سيد الأولين والآخرين محمد المصطفى الذي وجد الناس حطى الكلام في بيان مناقبه فساحاً، وصارت الآمال الخرس بميامن نبوته فصاحاً.
وكانت له صلوات الله عليه عزائم فاد بها خيولاً، ما لها إلا من المعجزات الباهرات سكائم شريعته كحنة حفت بالآداب الغر الأرج سرر الطباء، وعند هبوب نسيم ألفاظه العذاب كبا جود دخان الكباء، من أمن به آنس من نفسه الرشد، وكحل ما يمد الهداية العيون الرمد. فطوبى لمن تقلد طوق مننه، وسلك سنن سننه.
ثم على آله الذين رتعوا من أكلاء الطهارة بين النحلة والخمس، وأهل بيته الذين هم كما جاء في الحديث النجوم أمان لأهل السماء وأهل بيتي أمان لأهل الأرض وطيروا نواهض فراخ الحسب والنسب بأجنحة السعادة وأحسنوا بالحسنى وزيادة، ورذائل صور أفعالهم بصيقل التنزيل مجلوة، وسور مناقبهم من اللوح المحفوظ متلوة.
ونهضوا من بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، نهوض الليث من الآجام، وطلعوا من آفاق النبوة والرسالة طلوع البدر في خلال الظلام، وملكوا من الفضل أعجازه وصدوره، واستضاؤا ببدر يأبى إلا أن يتم نوره.
ولم يزل نصرة دين الله محروسة في أسنتهم اللامعة، وهلاك الأعداء مجنو في سيوفهم القاطعة، وانتشرت في البرايا أشعة معروفهم، وأدركوا ما لا كانت مفاتيحها بنص سيوفهم، فهم شرح في الظلام تزهر، وسحب في الجذوب تمطر، فعلهم من العار عار ورند فضهلم وار، وقصد تلقاء حضرتهم من قطر مطر ومن كل واد حاد، ومن كل دار سار.
وقد دامت نضارة رياض مراتبهم، وأغصان محاسن مناصبهم مكان الأمير، السيد الأجل الكبير المؤيد الرضي عماد الدولة والدين جلال الإسلام والمسلمين، أخص سلطان السلاطين، مجتبى الخلافة، ظهير الأنام، صفي الأيام، ذخر الأمة، شرف الملة، غوث الطالبية، كمال المعالي، فخر آل رسول الله صلى الله عليه وآله ذي المناقب، ملك السادات، نقيب النقباء في الشرق والغرب أبي الحسن علي بن محمد بن يحيى العلوي مرتضى أمير المؤمنين.
أطال الله ببقائه بقاء المعالي، وأدام بجماله جمال الأيام والليالي، له فضائل مجلت، وكانت خافية مباديها، ومناقب كلت، وكانت قبلة أدام الله أيام علائه عاطلة تراقيها رعى لأسلافه الأشراف.
ومما واجباني زمان فتنة العمياء من علم الأنساب، ومما حلمه يزاحم منكب الطود الأشم، وجوده سارى عوارب البحر الخصيم، لم يخلق الله تعالى إلا لليقل والتوفيق، وقدمه إلا للمحل الرفيع، ولسانه إلا للنهي والأمر، وشخصه إلا لحفظ البيضة وسد الثغر. فله من كل شيء صفوه ولبابه، ومن كل شرف أسبابه، وذلك من عناية الله لمن بقي من العلماء بخراسان قطوف الأماني.