للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

خلافًا للخوارج والمعتزلة١، وَقد وافقهم طَائِفَة من أهل الْإِثْبَات متكلميهم وفقهائهم من أَصْحَابنَا٢ وَغَيرهم٣ فِي مَسْأَلَة الْعَمَل الْوَاحِد فِي أصُول الْفِقْه.

فَقَالُوا: لَا يجوز أَن يكون مَأْمُورا بِهِ مَنْهِيّا عَنهُ٤.

وَإِن كَانُوا مخالفين لَهُم فِي مَسْأَلَة الشَّخْص الْوَاحِد فِي أصُول الدّين٥ وَلَا


١ - حَيْثُ يَقُول الْخَوَارِج إِن الْمُسلم يخرج من الْإِيمَان بارتكاب الْكَبِيرَة وَيدخل الْكفْر، وَيَقُول الْمُعْتَزلَة يخرج من الْإِيمَان وَلَا يدْخل الْكفْر وَهَذِه الْمنزلَة بَين المنزلتين، وَأوجب الْخَوَارِج والمعتزلة لَهُ الخلود فِي النَّار.
انْظُر شرح العقيدة الطحاوية ٢/٤٣٤ و ٥٢٤ ومسائل الْإِيمَان لأبي يعلى ٣٢٣ - ٣٢٥ وَشرح الْأُصُول الْخَمْسَة ١٣٩ - ١٤٠ وَالْإِيمَان لشيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية ٢٨٣ و ٣٠٤.
٢ - قَالَ الكلوذاني فِي التَّمْهِيد ١/٣٧٩: “وَتَحْقِيق هَذَا أَن الصَّلَاة فِي ملك الْغَيْر مَعْصِيّة قطعا، وَالصَّلَاة طَاعَة قطعا، فَكيف يكون الْفِعْل الْوَاحِد طَاعَة مَعْصِيّة؟ ويؤكد هَذَا أَن النَّهْي يَقْتَضِي إعدام الْفِعْل، وَالْأَمر يَقْتَضِي إيجاده فَكيف يتَصَوَّر كَون الْوَاحِد مَعْدُوما مَوْجُودا؟ ”
٣ - قَالَ فِي الْمَحْصُول ١/٣٤٠ - ٣٤١: “الشَّيْء الْوَاحِد لَا يجوز أَن يكون مَأْمُورا بِهِ مَنْهِيّا عَنهُ مَعًا، وَالْفُقَهَاء قَالُوا يجوز ذَلِك إِذا كَانَ للشَّيْء وَجْهَان، لنا أَن الْمَأْمُور بِهِ هُوَ الَّذِي طلب تَحْصِيله من الْمُكَلف وَأَقل مراتبه رفع الْحَرج من الْفِعْل، والمنهي عَنهُ هُوَ الَّذِي لم يرفع الْحَرج عَن فعله، فالجمع بَينهمَا مُمْتَنع” وَانْظُر التَّحْصِيل من الْمَحْصُول ١/٣٣٥.
٤ - انْظُر قواطع الْأَدِلَّة ١/٢٤٢ والبرهان لإِمَام الْحَرَمَيْنِ ١/٢٠٠.
٥ - كَأبي يعلى حَيْثُ ذكر فِي كِتَابه مسَائِل الْإِيمَان ص٣١٦ أَن الْفَاسِق الملي مُؤمن بإيمانه فَاسق بكبيرته وَهَذِه مَسْأَلَة الشَّخْص الْوَاحِد، وَذكر فِي كِتَابه الْعدة ٢/٤٤١ أَن النَّهْي إِذا تعلق بِمَعْنى فِي غير الْمنْهِي عَنهُ يدل على الْفساد كَالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة، وَهَذِه مَسْأَلَة الْعَمَل الْوَاحِد.
وَسبب مخالفتهم لَهُم فِي مَسْأَلَة الشَّخْص الْوَاحِد أَن قَول الْمُعْتَزلَة والخوارج فِي مَسْأَلَة الشَّخْص الْوَاحِد مَبْنِيّ على أَن الْإِيمَان شَيْء وَاحِد إِذا زَالَ بعضه زَالَ جَمِيعه وَأَنه لَا يزِيد وَلَا ينقص وَلَا يتفاضل، وَالْعُلَمَاء الَّذين أَشَارَ إِلَيْهِم شيخ الْإِسْلَام رَحمَه الله هُنَا لَا يوافقونهم فِي هَذَا الأَصْل الْفَاسِد بل يرَوْنَ مَا دلّت عَلَيْهِ النُّصُوص وَأجْمع عَلَيْهِ السّلف من أَن الْإِيمَان يتفاضل وَقد يذهب بعضه وَيبقى بعضه.
وَإِنَّمَا وافقوهم فِي مَسْأَلَة الْعَمَل الْوَاحِد لما ظنوه من تضارب بَين الطَّاعَة وَالْمَعْصِيَة وَالْأَمر وَالنَّهْي فخالفوهم فِي الأَصْل ووافقوهم فِي الْفَرْع.

<<  <   >  >>