للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والأشعرية وَمن وافقهم من الْفُقَهَاء أَصْحَابنَا وَغَيرهم الَّذين لَا يثبتون للْفِعْل صفة إِلَّا إِضَافَة لتَعلق الْخطاب بِهِ لَا يثبتون إِلَّا الثَّانِي١.

وَالصَّوَاب إِثْبَات الْأَمريْنِ وَقدر زَائِد يحصل للْفِعْل من جنس تعلق الْخطاب غير تعلق الْخطاب وَيحصل للْفِعْل بعد الحكم.

فالخطاب مظهر تَارَة ومؤثر تَارَة وجامع بَين الْأَمريْنِ تَارَة ...

وَإِذا كَانَ ذَلِك كَذَلِك فَنحْن نعقل ونجد أَن الْفِعْل الْوَاحِد من الشَّخْص أَو من غَيره يجلب لَهُ مَنْفَعَة ومضرة مَعًا، وَالرجل يكون لَهُ عدوَّان يقتل أَحدهمَا صَاحبه فيسر من حَيْثُ عدم عَدو، ويساء من حَيْثُ غلب عَدو، وَيكون لَهُ صديقان يعْزل أَحدهمَا صَاحبه فيساء من حَيْثُ انعزال صديق، وَيسر من حَيْثُ تولى صديق.

وَأكْثر أُمُور الدُّنْيَا من هَذَا فَإِن الْمصلحَة الْمَحْضَة نادرة٢.


١ - وَهُوَ حسن الْفِعْل لوُرُود الْأَمر بِهِ أَي من الْآمِر انْظُر الْبَحْر الْمُحِيط ١/١٣٥ و ١٤٥ و ١٤٦ وَالتَّلْخِيص رِسَالَة جامعية ١/١٥٨ وَشرح الْكَوْكَب ١/٣٠٧.
٢ - قَالَ الشاطبي فِي الموافقات ٢/٤٤: “الْمصَالح الدُّنْيَوِيَّة من حَيْثُ هِيَ مَوْجُودَة هُنَا لَا يتَخَلَّص كَونهَا مصَالح مَحْضَة، وأعني بالمصالح مَا يرجع إِلَى قيام حَيَاة الْإِنْسَان وَتَمام عيشه ونيله مَا تَقْتَضِيه أَوْصَافه الشهوانية والعقلية على الْإِطْلَاق حَتَّى يكون منعماً على الْإِطْلَاق، وَهَذَا فِي مُجَرّد الاعتياد لَا يكون، لِأَن تِلْكَ الْمصَالح مشوبة بتكاليف ومشاق قَلَّتْ أَو كثرت تقترن بهَا أَو تسبقها أَو تلحقها كَالْأَكْلِ وَالشرب واللبس وَالسُّكْنَى وَالرُّكُوب وَالنِّكَاح وَغير ذَلِك، فَإِن هَذِه الْأُمُور لَا تنَال إِلَّا بكد وتعب”.
وَقَالَ ابْن الْقيم فِي مِفْتَاح دَار السَّعَادَة ٢/١٦: - “وَلَا ريب عِنْد كل عَاقل أَن كَمَال الرَّاحَة بِحَسب التَّعَب وَكَمَال النَّعيم بِحَسب تحمل المشاق فِي طَرِيقه، وَإِنَّمَا تخلص الرَّاحَة واللذة وَالنَّعِيم فِي دَار السَّلَام فَأَما فِي هَذِه الدَّار فكلا وَلما”.
وَقَالَ الْعِزّ بن عبد السَّلَام فِي قَوَاعِد الْأَحْكَام ١/١٢: - “الْمصَالح الْمَحْضَة قَليلَة وَكَذَلِكَ الْمَفَاسِد الْمَحْضَة وَالْأَكْثَر مِنْهَا اشْتَمَل على الْمصَالح والمفاسد”.
وَقَالَ أَيْضا فِي قَوَاعِد الْأَحْكَام ١/١١٥ “وَاعْلَم أَن الْمصَالح الْخَالِصَة عزيزة الْوُجُود فَإِن المآكل والمشارب والملابس والمناكح والمراكب والمساكن لَا تحصل إِلَّا بنَصَب مقترن بهَا أَو سَابق أَو لَاحق، وَأَن السَّعْي فِي تَحْصِيل هَذِه الْأَشْيَاء كلهَا شاق على مُعظم الْخلق لَا ينَال إِلَّا بكد وتعب فَإِذا حصلت اقْترن بهَا من الْآفَات مَا ينكدها وينغصها”.

<<  <   >  >>