للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

منكن أن تذهبوا معي إلى وهدة بالقرب منه فتقفوا وتصيحوا بها فإذا سمع أصواتكن لم يشك أن بها ماء فيكب نفسه فيها فأجابتها الضفادع إلى ذلك فلما سمع الفيل أصواتهن في قعر الحفرة توهم أن بها ماء وكان على جهد من العطش فجاء مكبا على طلب الماء فسقط في الوهدة ولم يجد ما يخرجه منها فجاءت القنبرة ترفرف على رأسه وقالت أيها المغرور بقوته الصائل على ضعفي كيف رأيت عظيم حيلتي مع صغر جثتي وبلادة فهمك مع كبر جسمك وكيف رأيت عاقبة البغي والعدوان ومسالمة الزمان؟ فلم يجد الفيل مسلكاً لجوابها ولا طريقاً لخطابها، فلما أنهى القرد غاية ما ضربه للبوة من المثل أوسعته انتهاراً وأعرضت عنه استكباراً، ثم إن الغزالة انتقلت بما بقي من أولادها تبتغي لها مسكناً آخر وإن اللبوة خرجت ذات يوم تطلب صيداً وتركت شبلها فمر به فارس فلما رآه حمل عليه فقتله وسلخ جلده وأخذه وترك لحمه وذهب، فلما رجعت اللبوة ورأته مقتولاً

مسلوخاً رأت أمراً فظيعاً فامتلأت غيظاً وناحت نواحاً عالياً وداخلها هم شديد، فلما سمع القرد صوتها أقبل عليها مسرعاً فقال لها ما دهاك؟ فقالت اللبوة مر صياد بشبلي ففعل به ما ترى فقال لها لا تجزعي ولا تحزني وأنصفي من نفسك واصبري من غيرك كما صبر غيرك منك فكما يدين الفتى يدان وجزاء الدهر بميزان ومن بذر حباً في أرض فبقدر بذره يكون الثمر والجاهل لا يبصر من أين تأتيه سهام القدر فلا تجزعي من هذا الأمر وتذرعي له بالرضا والصبر، فقالت اللبوة كيف لا أجزع وهوقرة العين وواحد القلب وأي حياة تطيب لي بعده؟ فقال لها القرد أيتها اللبوة ما الذي كان يغديك ويعشيك قالت لحوم الوحوش؟ قال القرد فما لنا لا نسمع لتلك الآباء والأمهات صياحاً وصراخاً كما سمع منك ولقد أنزل بك هذا الأمر جهلك بالعواقب وعدم تفكرك فيها وقد نصحتك حين حقرت حق الجوار وألحقت بنفسك العار وجاوزت بقوتك حد الإنصاف وسطوت على الظبا الضعاف فكيف وجدت طعم مخالفة الصديق الناصح قالت اللبوة وجدته مرّ المذاق، ولما علمت اللبوة أن ذلك بما كسبت يدها من ظلم الوحوش رجعت عن صيدها وزمت نفسها وصارت تقنع بأكل النبات وحشيش الفلوات.

قال بعض الحكماء أمور الدنيا تجري على خمسة عشر وجهاً فخمسة منها بالعادة وهو الأكل

<<  <   >  >>