قد عدّلهم وأعدّ لهم من الكرامة والزلفى ما أعد لهم، ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله تعالى إلى تعديل أحد من الخلق. و"إذا جاء نهر الله تعالى بطل نهر معيقل". ولو لم يرد من الله سبحانه ورسوله - صلى الله عليه وسلم - شيء من ذلك لأوجبت الحال التي كانوا عليها من الهجرة والجهاد ونصرتهم الإسلام وبذل المهج والأموال وقتل الآباء والأولاد والمناصحة في الدين وقوة الإيمان واليقين القطعَ بتعديلهم والاعتقاد لنزاهتهم وأنهم أفضل من جميع الخالفين بعدهم والمعدلين الذين يجيئون إثرهم. وهذا مذهب كافة العلماء ممن يعتمد قوله. ثم روى بسنده إلى أبي زرعة الرازي عليه الرحمة أنه قال:«إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول - عليه الصلاة والسلام - حق والقرآن حق وما جاء به حق، وإنما أدى إلينا ذلك كله الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - والمنتقصون لهم يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى» انتهى. وقال المازري في شرح البرهان: في الصحابة عدول وغير عدول ولا نقطع إلا بعدالة الذين لازموه - صلى الله تعالى عليه وسلم - ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه وأما عدالة كل من رآه - عليه الصلاة والسلام - يوما أو زاره أو اجتمع به لغرض وانصرف فلا نقطع بها بل هي محتملة وجودا وعدما. وإلى نحو هذا ذهب ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب.