والقرى المستضعف أهلها. ومن الأمور المشاهدة أنَّ الأمم التي تقع تحت أسر أمةٍ تغايرها في السيماء، لا يمضي عليها أجيال إلا وتغشو فيها سيماء الآسرين: كسواد العيون في الإسبانيول، وبياض البشرة في الأفريقيين. وعدم الاطمئنان على العِرض يُضعف الحبّ الذي لا يتمُّ إلا بالاختصاص، ويُضعف لصقة الأولاد بأزواج أمهاتهم، فتضعف الغَيرة على تحمّل مشاق التربية، تلك الغيرة التي لأجلها شرَّع الله النكاح، وحرَّم السِّفاح.
للسّعة والفقر أيضاً دخلٌ كبير في تسهيل التربية، وأين الأسراء من السّعة؟! كما أنَّ لانتظام المعيشة ولو مع الفقر علاقة قوية في التربية، ومعيشة الأُسراء أغنياء كانوا أو معدمين، كلُّها خللٌ في خلل، وضيقٌ في ضيق، وذلك يجعل الأسير هيّن النفس، وهذا أول دركات الانحطاط، يرى ذاته لا يستحقُّ المزيد في النعيم مطعماً ومشرباً وملبساً ومسكناً، وهذا ثاني الدركات ويرى استعداده قاصراً عن الترقّي في العلم، وهذا ثالثها، ويرى حياته على بساطتها لا تقوى إلا بمعاونة غيره له، وهذا رابعها، وهلمَّ جرّا!.
بناءً عليه؛ ما أبعد الأُسراء عن النشاط للتربية، ثمَّ لماذا يتحمَّلون مشاقَّ التربية، وهم إنْ نوَّروا أولادهم بالعلم جنوا عليهم بتقوية إحساسهم، فيزيدونهم شقاءً، ويزيدونهم بلاءً، ولهذا لا غرو أن يختار الأسراء الذين فيهم بقية من الإدراك، ترك أولادهم هملاً تجرفهم البلاهة إلى حيث تشاء.
وإذا افتكرنا كيف ينشأ الأسير في البيت الفقير، وكيف يتربَّى، نجد أنَّه يُلقَّح به، وفي الغالب أبواه متناكدان متشاكسان، ثمَّ إذا تحرَّك جنيناً