حرَّك شراسة أمِّه فتشتمه، أو زاد آلام حياتها فتضربه، فإذا ما ضيَّقت عليه بطنها لإلفتها الانحناء خمولاً والتصرر صغاراً، والتقلُّص لضيق فراش الفقر، ومتى ولدته ضغطت عليه بالقماط اقتصاداً وجهلاً، فإذا تألَّم وبكى سدَّت فمه بثديها، أو قطعت نفسه خضّاً أو بدوار السرير، أو سقته مخدراً عجزاً عن نفقة الطبيب، فإذا ما فُطِم، يأتيه الغذاء الفاسد يضيق معدته، ويفسد مزاجه، فإذا كان قوي البنية طويل العمر وترعرع، يُمنع من رياضة اللعب لضيق البيت، فإذا سأل واستفهم ماذا وما هذا ليتعلّم، يُزجَر ويلكم لضيق خُلُق أبويه، وإن جالسهما ليألف المعاشرة، وينتفي عنه التوجّس يبعدانه كي لا يقف على أسرارهما، فيسترقها منه الجيران الخلطاء، فتنمى أعوان الظالمين وما أكثرهم، فإذا قويت رجلاه يُدفع به إلى خارج الباب، إلى مدرسة الإلفة على القذارة، وتعلّم صيغ الشتائم والسباب، فإنْ عاش ونشأ وُضع في مكتب أو عند ذي صنعة، فيكون أكبر القصد ربطه عن السّراح والمراح. فإذا بلغ الشباب، ربطه أولياؤه على وتد الزواج كي لا يفرّ من مشاكلتهم في شقاء الحياة، ليجني هو على نسله كما جنى عليه أبواه، ثمَّ هو يتولى التضييق على نفسه بأطواق الجهل وقيود الخوف، ويتولى المستبدّون التضييق على عقله ولسانه وعمله وأمله.
وهكذا يعيش الأسير في حين يكون نسمة في ضيق وضغط، يهرول ما بين عتبة همٍّ ووادي غمٍّ، يودِّع سقماً ويستقبل سقماً إلى أن يفوز بنعمة الموت مضيعاً دنياه مع آخرته، فيموت غير آسف ولا مأسوف عليه.