الخير طبيعياً نحو مطر السماء، فعزوه إلى يُمن الحكام أو دعاء الكهنة. ويسند كلَّ شرٍّ ولو من نوع التسلُّط على الأعراض، على الاستحقاق من جانب الله. إلى غير ذلك من أحكام ذلك القانون، الذي رؤوس مسائله فقط تملّ القارئ فضلاً عن تفصيلاتها.
إنَّ أخوف ما يخافه الأسير هو أن يظهر عليه أثر نعمة الله في الجسم أو المال، فتصيبه عين الجواسيس (وهذا أصل عقيدة إصابة العين)! أو أن يظهر له شأن في علمٍ أو جاهٍ أو نعمةٍ مهمة، فيسعى به حاسدوه إلى المستبدِّ (وهذا أصل شر الحسد الذي يُتعوَّذ منه)! وقد يتحيّل الأسير على حفظ ماله الذي لا يمكنه إخفاؤه كالزوجة الجميلة، أو الدابة الثمينة، أو الدار الكبيرة، فيحميها بإسناد الشؤم، (وهذا أصل التشاؤم بالأقدام والنواصي والأعتاب).
ومن غريب الأحوال أنَّ الأُسراء يبغضون المستبدَّ، ولا يقوون على استعمالهم معه البأس الطبيعي الموجود في الإنسان إذا غضب، فيصرفون بأسهم في وجهة أخرى ظلماً: فيُعادون من بينهم فئةً مستضعفةً، أو الغرباء، أو يظلمون نساءهم ونحو ذلك. ومَثَلُهم في ذلك مثل الكلاب الأهلية، إذا أريد منها الحراسة والشراسة، فأصحابها يربطونها نهاراً ويطلقونها ليلاً فتصير شرسة عقورة، وبهذا التعليل تعلَّل جسارة الأسراء أحياناً في محارباتهم، لا أنها جسارة عن شجاعة. وأحياناً تكون جسارة الأسراء عن التناهي في الجبانة أمام المستبدِّ الذي يسوقهم إلى الموت، فيطيعونه انذعاراً كما تطيع الغنمة الذئب