وقد اتَّضح مما تقدَّم أنَّ التربية غير مقصودة، ولا مقدورة في ظلال الاستبداد إلا ما قد يكون بالتخويف من القوة القاهرة، وهذا النوع يستلزم انخلاع القلوب لا تزكية النفوس. وقد أجمع علماء الاجتماع والأخلاق والتربية على أنَّ الإقناع خير من الترغيب فضلاً عن الترهيب، وإنَّ التعليم مع الحرية بين المعلِّم والمتعلِّم أفضل من التعليم مع الوقار، وأنَّ التعليم عن رغبة في التكمُّل أرسخ من العلم الحاصل طمعاً في المكافأة، أو غيرة من الأقران. وعلى هذه القاعدة بنوا قولهم: إنَّ المدارس تقلل الجنايات لا السجون، وقولهم: إنَّ القصاص والمعاقبة قلَّما يفيدان في زجر النفس كما قال الحكيم العربي:
لا ترجع الأنفس عن غيّها ... ما لم يكن منها لها زاجرُ
ومن يتأمل جيداً في قوله تعالى:{ولكم في القصاص حياةٌ يا أولي الألباب} ملاحظاً أنَّ معنى القصاص لغةً: هو التساوي مطلقاً، لا مقصوراً على المعاقبة بالمثل في الجنايات فقط، ويدقق النظر في القرآن الكريم وسائر الكتب السماوية، ويتَّبع مسالك الرُّسل العظام -عليهم الصلاة والسلام- يرى أنَّ الاعتناء في طريق الهداية فيها منصرفٌ إلى الإقناع، ثمَّ إلى الأطماع عاجلاً أو آجلاً، ثمَّ إلى الترهيب الآجل غالباً ومع ترك أبواب تُدلي إلى النجاة.