ثمَّ إنَّ التربية التي هي ضالّة الأمم، وفقدها هي المصيبة العظيمة، التي هي المسألة الاجتماعية؛ حيث الإنسان يكون إنساناً بتربيته، وكما يكون الآباء يكون الأبناء، وكما تكون الأفراد تكون الأمّة، والتربية المطلوبة هي التربية المرتَّبة على إعداد العقل للتمييز، ثمَّ على حسن التفهيم والإقناع، ثمَّ على تقوية الهمّة والعزيمة، ثمَّ على التمرين والتعويد، ثمَّ على حسن القدوة والمثال، ثمَّ على المواظبة والإتقان، ثمَّ على التوسّط والاعتدال، وأنْ تكون تربية العقل مصحوبةً بتربية الجسم، لأنهما متصاحبان صحة واعتلالاً، فإنه يقتضي تعويد الجسم على النظافة وعلى تحمّل المشاقّ، والمهارة في الحركات، والتوقيت في النوم والغذاء والعبادة، والترتيب في العمل وفي الرياضة والراحة. وأن تكون تلكما التربيتين مصحوبتين أيضاً بتربية النفس على معرفة خالقها ومراقبته والخوف منه. فإذا كان لا مطمع في التربية العامّة على هذه الأصول بمانع طبيعة الاستبداد، فلا يكون لعقلاء المبتلين به إلا أن يسعوا أولاً وراء إزالة المانع الضاغط على هذه العقول، ثمَّ بعد ذلك يعتنوا بالتربية؛ حيث يمكنهم حينئذٍ أن ينالوها على توالي البطون، والله الموفق.