ابتلاء الله الناس بالخير والشر، وهو معنى ما ورد في الأثر بأنَّ الخير مربوط بذيل الشر، والشر مربوطٌ بذيل الخير، وهو المراد من أقوال الحكماء نحو: على قدر النّعمة تكون النقمة، على قدر الهمم تأتي العزائم، بين السعادة والشقاء حربٌ سِجال، العاقل من يستفيد من مصيبته، والكيِّس من يستفيد من مصيبته ومصيبة غيره، والحكيم من يبتهج بالمصائب ليقطف منها الفوائد، ما كان في الحياة لذّة لو لم يتخللها آلام.
فإذا تقرر هذا فليعلم أيضاً أنَّ سبيل الإنسان هو الرقي، ما دام جناحا الاندفاع والانقباض فيه متوازيين كتوازن الإيجابية والسلبية في الكهربائية، وسبيله القهقرى إن غلبته الطبيعة أو المزاحمة. ثمَّ إنَّ الاندفاع إذا غلب فيه العقل النفس، كانت الوجهة إلى الحكمة، وإنْ غلبت النفس العقل، كانت الوجهة إلى الزيغ. أما الانقباض؛ فالمعتدل منه هو السائق للعمل، والقوي منه مُهلِكٌ للحركة، والاستبداد المشؤوم الذي نبحث فيه هو قابض ضاغط مسكن، والمبتلون به هم المساكين. نعم: أسراء الاستبداد أحقُّ بوصف المساكين من عجزة الفقراء.
ولو ملك الفقهاء حرية النظر لخرجوا من الاختلاف في تعريف المساكين الذين جعل لهم الله نصيباً من الزكاة فقالوا: هم عبيد الاستبداد، ولجعلوا كفَّارات فكِّ الرقاب تشمل هذا الرقّ الأكبر.
أُسراء الاستبداد حتى الأغنياء منهم كلُّهم مساكين لا حراك فيهم، يعيشون منحطّين في الإدراك، منحطِّين في الإحساس، منحطّين في الأخلاق.