للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وما أظلم توجيه اللوم عليهم بغير لسان الرأفة والإرشاد، وقد أبدع من شبَّه حالتهم بدود تحت صخرة، فما أليق باللائمين أن يكونوا مشفقين يسعون في رفع الصخرة ولو حتّاً بالأظافر ذرَّةً بعد ذرّة.

وقد أجمع الحكماء على أنَّ أهم ما يجب عمله على الآخذين بيد الأمَّة، الذين فيهم نسمة مروءة وشرار حمية، الذين يعرفون ما هي وظيفتهم بإزاء الإنسانية، الملتمسين لإخوانهم العافية، أن يسعوا في رفع الضغط عن العقول لينطلق سبيلها في النموِّ فتمزِّق غيوم الأوهام التي تمطر المخاوف، شأن الطبيب في اعتنائه أولاً بقوة جسم المريض، وأن يكون الإرشاد متناسباً مع الغفلة خفَّةً وقوة: كالساهي ينبِّهه الصوت الخفيف، والنّائم يحتاج إلى صوتٍ لأقوى، والغافل يلزمه صياحٌ وزجر. فالأشخاص من هذا النوع الأخير، يقتضي لإيقاظهم الآن بعد أن ناموا أجيالاً طويلة أن يسقيهم النطاسي البارع مرّاً من الزواجر والقوارس علَّهم يفيقون، وإلا فهم لا يفيقون، حتى يأتي القضاء من السماء: فتبرق السيوف، وترعد المدافع وتمطر البنادق، فحينئذٍ يصحون، ولكن؛ صحوة الموت!.

بعض الاجتماعيين في الغرب يرون أنَّ الدِّين يؤثِّر على الترقّي الإفرادي، ثمَّ الاجتماعي تأثيراً معطِّلاً كفعل الأفيون في الحسِّ، أو حاجباً كالغيم يغشى نور الشمس. وهناك بعض الغلاة يقولون: الدين والعقل ضدّان متزاحمان في الرؤوس، وإنَّ أول نقطة من الترقّي تبتدئ عند آخر نقطة من الدين. وإنَّ أصدق ما يُستدَّلُّ به على مرتبة الرُّقي والانحطاط في الأفراد أو في الأمم

<<  <   >  >>