لو جازت عبادة غير الله لاختار العقلاء عبادة الإرادة! هي تلك الصفة التي تفصل الحيوان عن النّبات في تعريفه بأنّه متحرك بالإرادة. فالأسير، إذن، دون الحيوان لأنّه يتحرّك بإرادة غيره لا بإرادة نفسه. ولهذا قال الفقهاء: لا نيّة للرقيق في كثير من أحواله، إنما هو تابع لنيّة مولاه. وقد يُعذر الأسير على فساد أخلاقه؛ لأنَّ فاقد الخيار غير مؤاخذ عقلاً وشرعاً.
أسير الاستبداد لا نظام في حياته، فلا نظام في أخلاقه، قد يصبح غنياً فيضحي شجاعاً كريماً، وقد يمسي فقيراً فيبيت جباناً خسيساً، وهكذا كلُّ شؤونه تشبه الفوضى لا ترتيب فيها، فهو يتبعها بلا وجهة. أليس الأسير قد يُرهق، ويسيء كثيراً فيُعفى، وقليلاً فيُشنق، ويجوع يوماً فيضوى، ويخصب يوماً فيتخم، يريد أشياء فيُمنَع، ويأبى شيئاً فيُرغم؟! وهكذا يعيش كما تقتضيه الصُّدف أن يعيش، ومن كانت هذه حاله كيف يكون له أخلاق، وإنْ وجد ابتداء يتعذر استمراره عليه؟! ولهذا لا تجوّز الحكمة الحُكمَ على الأسراء بخيرٍ أو شرّ.
أقلُّ ما يؤثّره الاستبداد في أخلاق الناس، أنَّه يرغم حتى الأخيار منهم على إلفة الرّياء والنفاق ولبئس السيّئتان، وإنه يعين الأشرار على إجراء غيّ نفوسهم آمنين من كلِّ تبعة ولو أدبية، فلا اعتراض ولا انتقاد ولا افتضاح، لأنَّ أكثر أعمال الأشرار تبقى مستورة، يلقي عليها الاستبداد رداء خوف الناس من تبعة الشهادة على ذي شرّ وعقبى ذكر الفاجر بما فيه. ولهذا،