إذن نقول:(الحرام ضد الواجب) في الأصل ليس بضد الواجب، وإنما جعله الأصوليون ضد الواجب باعتبار تقسيم أحكام التكليف، لماذا؟ لأنك إذا قلت:(الواجب ما يثاب على فعله امتثالا ويعاقب على تركه)، اعكسه، تقول:(الحرام ما يثاب على تركه امتثالا ويعاقب على فعله) إذن هو ضده أو لا؟ ضده، نقول الحرام ضد الواجب، من أي حيثية؟ لا من حيثية الشرع، أنه في الشرع كذا، بل الحرام ضد الحلال، طيب لماذا إذا كان الشرع يقول:"إن الحلال بين وإن الحرام بين" إذن جاء الحلال والحرام متقابلين، لماذا جعل الأصوليون _وهم يبحثون في الأدلة التي تثبت بها الأحكام الشرعية_ لماذا جعلوا الحرام ضد الواجب؟ تقول: من حيث تقسيم الأحكام التكليفية، لأنهم حكموا أن الواجب ما يثاب على فعله والحرام يثاب على تركه، الواجب يعاقب على تركه والحرام يعاقب على فعله، إذن هما ضدان، من هذه الحيثية هما ضدان، فلا إشكال ولا اعتراض حينئذ على الأصوليين.
والحرام بمعناه وهو ضد الواجب، قال:(ما يعاقب على فعله ويثاب على تركه)، (ما) جنس، يعني اسم موصول بمعنى الذي، وهو جنس يشمل جميع الأحكام التكليفية، (يعاقب) من العقوبة وهو معناها، (على فعله) إذا فعله حينئذ استحق العقوبة وترتبت العقوبة يعاقب، هذا الأصل، الأصل أنه يعاقب، وأما طروء العفو حينئذ لا يرد لفظا بهذا الرسم، (ما يعاقب على فعله) إذن إذا فُعِلَ المحظور نقول فاعله يعاقب، لكن هذا من حيث الوصف، يعني لو رأيت إنسانا يفعل كبيرة من الكبائر لا تقل هذا يعاقب، تنزل الوصف على الشخص، لا، وإنما تقول من فعل الزنا يعاقب، هذا الأصل، أليس كذلك؟ أما الأشخاص فلا تنزل عليهم الأحكام، (ما يعاقب على فعله ويثاب على تركه) إن تركه ترتب عليه الثواب، وإن فعله ترتب عليه العقاب، لكن يقيد قوله (ويثاب على تركه) امتثالا، لأن الثواب في الواجب والحرام وجودا وعدما مترتب على شرطه، وشرط الثواب هو وجود النية، نية التقرب إلى الله عز وجل، ولذلك ذكرنا بالأمس:
وليس في الواجب من نوال.:. عند انتفاء قصد الامتثال.
فيما له النية لا تشترط.:. وغير ما ذكرته فغلط.
ومثله الترك لما يحرم.:. من غير قصد ذا نعم مستلزم.
إن ترك المحظور ولم ينوِ شيئا نقول هذا مُسَلَّمٌ من الإثم، لماذا؟ لأن الإثم والعقاب مرتب على الفعل وهو لم يفعل، حينئذ سقط العقاب، لكن الثواب مرتب على ماذا؟ مرتب على أنه ينوي بهذا الترك القربة إلى الله خوفا وعظمة للرب جل وعلا، فحينئذ نقول: الثواب تركه نية التقرب إلى الله، إن وجدت هذه النية ترتب عليها الثواب، إن انتفت انتفى الثواب، هذا من حيث الجملة لكن من حيث التفصيل نقول الإطلاق هذا فيه نظر، لأن تارك المحرم أو تارك الحرام هذا على أربعة أنحاء، أربعة أقسام=نقول تارك المحظور أربعة أقسام: