للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفَصْلُ الأَوَّلُ:

(أ) هَدَفُ التَّبْشِيرِ:

سنرى فيما بعد أَنَّ الاسْتِشْرَاقَ لون من ألوان التبشير لاءم نفسه مع ظروف الحياة. وإذا كان الاسْتِشْرَاقُ نوعًا من أنواع التبشير فتعرف هدف التبشير نفسه يعطينا بالتالي صورة عن هدف الاسْتِشْرَاقِ، ولن نحاول هنا أن نذكر شيئًا مستنتجًا من قراءة أو دراسة لهذا الموضوع، وإنما سندع النصوص الثابتة لزعماء المبشرين تُعَبِّرُ عن هذا الهدف:

١ - يقول لورانس براون Lawrance Brown: « إِذَا اتَّحَدَ المُسْلِمُونَ فِي إِمْبرَاطُورِيَّةٍ عَرَبِيَّةٍ، وَأَمْكَنَ أَنْ يُصْبِحُوا لَعْنَةً عَلَى العَالَمِ وَخَطَرًا، وَأَمْكَنَ أَنْ يُصْبِحُوا نِعْمَةً لَهُ أَيْضًا، أَمَّا إِذَا بَقُوا مُتَفَرِّقِينَ فَإِنَّهُمْ يَظَلُّونَ حِينَئِذٍ بِلاَ قُوَّةٍ وَلاَ تَأْثِيرٍ» (١).

ويفضح القس «كالهون سيمون» عن رغبة التبشير القوية في تفريق المسلمين التي عَبَّرَ عنها «براون» فيما قبل، بقوله: «إِنَّ الوَحْدَةَ الإِسْلاَمِيَّةَ تَجْمَعُ آمَالَ الشُّعُوبِ السُّودِ، وَتُسَاعِدُهُمْ عَلَى التَمَلُّصِ مِنَ السَّيْطَرَةِ الأُورُوبٍيَّةِ، وَلِذَلِكَ كَانَ التَبْشِيرُ عَامِلاً مُهِمًّا فِي كَسْرِ شَوْكَةِ هَذِهِ الحَرَكَاتِ، ذَلِكَ لأَنَّ التَبْشِيرَ يَعْمَلُ عَلَى إِظْهَارِ الأُورُوبٍيِّينَ فِي نُورٍ جَدِيدٍ جَذَّابٍ، وَعَلَى سَلْبِ الحَرَكَةِ الإِسْلاَمِيَّةِ مِنْ عُنْصُرِ القُوَّةِ وَالتَمَرْكُزِ فِيهَا» (٢).

فوحدة المسلمين إذن في نظر التبشير يجب أن تفتت وأن توهن، ويجب أن يكون هدف التبشير هو التفرقة في توجيه المسلمين واتجاهاتهم. والتبشير، إذ يرى هدفه المباشر تفكيك المسلمين، يرى بالتالي درء خطر وحدتهم على استعمار الشعوب الأوروبية وعلى استغلالها واستنزافها لثروات المسلمين. وفي هذا المعنى يقول لورانس براون Lawrance Brown: « الخَطَرُ الحَقِيقِيُّ كَامِنٌ فِي نِظَامِ الإِسْلاَمِ، وَفِي قُوَّتِهِ عَلَى التَّوَسُّعِ وَالإِخْضَاعِ وَفِي حَيَوِيَّتِهِ. إِنَّهُ الجِدَارُ الوَحِيدُ فِي وَجْهِ الاسْتِعْمَارِ الأُورُوبِيِّ» (٣).

وتقول مجلة " العالم الإسلامي " الإنجليزية The Muslim World: « إِنَّ شَيْئًا مِنَ الخَوْفِ يَجِبُ أَنْ يُسَيْطِرَ عَلَى العَالَمِ الغَرْبِيِِّ، وَلِهَذَا الخَوْفِ أَسْبَابٌ مِنْهَا: أَنَّ الإِسْلاَمَ مُنْذُ أَنْ ظَهَرَ فِي مَكَّةَ لَمْ يَضْعَفْ عَدَدِيًّا، بَلْ دَائِما فِي ازْدِيَادٍ وَاتِّسَاعِ. ثُمَّ إِنَّ الإِسْلاَمَ


(١) في كتابه " الإسلام والإرساليات " Islam and Missions: ص ٤٤ - ٤٨.
(٢) كتاب " التبشير والاستعمار ": ص ٣٢.
(٣) في كتاب أصدره في عام ١٩٤٤.

<<  <   >  >>