للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَيْسَ دِينًا فَحَسْبُ، بَلْ إِنَّ مِنْ أَرْكَانِهِ الجِهَادُ. وَلَمْ يَتَّفِقْ قَطُّ أَنَّ شَعْبًا دَخَلَ الإِسْلاَمَ ثُمَّ عَادَ نَصْرَانِيًّا» (١).

٢ - وهناك بجانب تفتيت وحدة المسلمين - كَهَدَفِ المُبَشِّرِينَ - هدف آخر هو التنفيس عن الصليبية وعن الانهزامات التي مُنِيَ بها الصَّلِيبِيُّونَ طوال قرنين من الزمان أنفقوهما في محاولة الاستيلاء على بيت المقدس وانتزاعه من أيدي المسلمين الهَمَجِيِّينَ!!.

يقول اليَسُوعِيُّونَ: «أَلَمْ نَكُنْ نَحْنُ وَرَثَةَ الصَّلِيبِيِّينَ؟ أَوَلَمْ نَرْجِعْ تَحْتَ رَايَةِ الصَّلِيبِ لِنَسْتَأَنِفَ التَّسَرُّبَ التَّبْشِيرِيَّ وَالتَمْدِينَ المَسِيحِيَّ وَلِنُعِيدَ فِي ظِلِّ العِلْمِ الفِرَنْسِيِّ وَبِاسْمِ الكَنِيسَةِ مَمْلَكَةَ المَسِيحِ؟» (٢).

٣ - وبجانب هذا وذاك يرى المستشرق الألماني بيكر Becker: « أَنَّ هُنَاكَ عِدَاءً مِنَ النَّصْرَانِيَّةِ لِلإِسْلاَمِ بِسَبَبِ أَنَّ الإِسْلاَمَ عِنَدَمَا انْتَشَرَ فِي العُصُورِ الوُسْطَى أَقَامَ سَدًّا مَنِيعًا فِي وَجْهِ انْتِشَارِ النَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ امْتَدَّ إِلَى البِلادِ التِي كَانَتْ خَاضِعَةً لِصَوْلَجَانِهَا» (٣).

وإذن هدف التبشير هو تمكين الأوروبي المسيحي من البلاد الإسلامية، والأسباب التي ذكرها هؤلاء المُبَشِّرُونَ هنا تُوصِلُ جميعها إلى هذا الهدف، سواء أكان التنفيس عن هزيمة الصليبية، أم الرغبة في الانتقام من الإسلام لأنه قام في القرون الوسطى في وجه المسيحية، أم توهين المسلمين وتمزيقهم في التوجيه والاتجاه - هو السبب المباشر في التبشير فإن نتيجته حَتْمًا وعلى أي وضع هي ما ذكرنا من تمكين الأوروبي المسيحي من المسلم الشرقي ومن وطنه.

وهنا يبدو وَاضِحًا أن التبشير مقدمة أساسية للاستعمار الأوروبي، كما أنه سبب مباشر لتوهين قوة المسلمين، «ولقد كانت الدول الأجنبية تبسط الحماية على مُبَشِّرِيهَا في بلاد الشرق لأنها تعدهم حملة لتجارتها وآرائها ولثقافتا إلى تلك البلاد، بل لقد كان ثمت ما هو أعظم من هذا عندها: لقد كان المُبَشِّرُونَ يعملون بطرق مختلفة كالتعليم مثلاً على تهيئة شخصيات شرقية لا تقاوم التبسط الأجنبي» (٤).

«وَلَقَدْ كَانَتْ الدُوَلُِ الأَجْنَبِيَّةُ تَبْسُطُ الحِمَايَةَ عَلَى مُبَشِّرِيهَا فِي بِلاَدِ الشَّرْقِ لأَنَّهَا تَعُدُّهُمْ حَمَلَةً لتِجَارَتِهَا وآرَائِهَا وَلِثَقَافَتِهَا إِلَى تِلْكَ البِلادِ، بَلْ لَقَدْ كَانَ ثَمَّتَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ هَذَا عِنْدَهَا: لَقَدْ كَانَ المُبَشِّرُونَ يَعْمَلُونَ بِطُرُقٍ مُخْتَلِفَةٍ كَالتَّعْلِيمِ مَثَلاً عَلَىَ تَهْيِئَةِ شَخْصِيَّاتٍ شَرْقِيَّةٍ لاَ تُقَاوِمُ التَّبَسُّطَ الأَجْنَبِيَّ»

(ب) تَصْوِيرُ المُبَشِّرِينَ لِلإِسْلاَمِ وَالمُسْلِمِينَ:

وطريق التبشير لتوهين المسلمين لم يكن الدعوة إلى المسيحية والعمل على ارتداد المسلمين إلى النصرانية مباشرة، وإنما كان طريقه لتشويه الإسلام، ومحاولة إضعاف


(١) عدد يونية سَنَةَ ١٩٣٠ م تحت عنوان «الجغرافيا السياسية للعالم الإسلامي». The political geography of the Mohammadan World
(٢) " التبشير والاستعمار ": ص ١١٧.
(٣) المصدر السابق: ص ٥٠.
(٤) المصدر السابق: ص ٥٠.

<<  <   >  >>