للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

مسالك تفرد بها البخاري:


ثم إن البخاري تفرد بمسالك كثيرة في تراجمه، لأنه قد أولى هذا الفن كل عنايته وأودعها علمه وفقهه، فكانت غزيرة الفوائد. قال شاه ولي الله الدهلوي في " شرح تراجم أبواب صحيح البخاري ": «وَقَدْ فَرَّقَ البُخَارِيُّ فِي تَرَاجِمِ الأَبْوَابِ عِلْمًا كَثِيرًا مِنْ شَرْحِ غَرِيبِ القُرْآنِ، وَذِكْرِ آثَارِ الصَّحَابَةِ، وَالأَحَادِيثِ المُعَلَّقَةِ ... ». اهـ.

وبذلك كانت صناعة التراجم خصيصة لهذا الكتاب، لا يساهمه فيها كتاب غيره، لكثرة تفننه فيها وعنايته بتنويع أساليبها وصيغها. فتفرد بكثير من المسالك لم يتطرق إليها مَن بعده ومن أهم ما تفرد به من المسالك في تراجمه الظاهرة:

١ - أن يترجم بآية قرآنية: فيجعل الآية عنوانًا للباب، والمقصود من ذلك تأويل الآية، أو الاستدلال بها لحكم من الأحكام، ثم تقوية هذا التأويل والاستدلال بما يخرج من الحديث.

٢ - أن يأتي في الترجمة بالآثار عن الصحابة فمن بعدهم، كقوله في الصلاة:
(بَابٌ فِي كَمْ تُصَلِّي المَرْأَةُ فِي الثِّيَابِ، وَقَالَ عِكْرِمَةُ: «لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي ثَوْبٍ لأَجَزْتُهُ») (*).
وقال: (باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب).
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «وَلَمْ يَرَ الحَسَنُ بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الجُمْدِ وَالقَنَاطِرِ، وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ أَمَامَهَا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ» وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ: «عَلَى سَقْفِ المَسْجِدِ بِصَلاَةِ الإِمَامِ» وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ: «عَلَى الثَّلْجِ». اهـ. (**).

وفائدة ذكر هذه النصوص من الآيات والأحاديث والآثار في التراجم الإشارة إلى اختياره في المسألة وترجيح ما دلت عليه.

٣ - أن يترجم في أبوابه بما ذهب إليه بعض العلماء، ويذكر في الباب ما يدل عليه قائلا: (باب من قال كذا) دون أن يفصح برأيه فيه.
والمراد بذلك التنبيه على ثبوت ذلك.

مثاله:
قَوْلُهُ فِي الشُّرْبِ: (بَابُ مَنْ قَالَ: إِنَّ صَاحِبَ المَاءِ أَحَقُّ بِالْمَاءِ حَتَّى يَرْوَى، لِقَوْلِ

<<  <   >  >>