ليس من الغريب أن تُجهل حقيقة تاريخية مضت عليها آلاف السنين، أو كان العلم بها خاصًّا بأفراد قليلين، أو لم تكن مما يهمّ حفظه ونقله.
وإنَّما الغريب أن تُجهل حقيقة أكبر من ذلك، كعقيدة العرب في وثنيتها، فإنَّها خفيت منذ أزمان، حتى نسمع ابن جرير ــ كما سيأتي ــ ينعى على مجاهد أنَّه لم يعرفها، ومولدُ مجاهد قبل العشرين من الهجرة، فليس بينه وبين عصر الوثنيّة إلَّا نحو عشرين سنة، وقد أدرك كثيرًا ممَّن أدركوها ودانوا بها. ثم هي ممَّا يهمُّ المسلمين معرفته؛ فإنَّ الإسلام إنَّما جاء لنقض المختلِّ منها وممَّا يشبهها، وكثير من الآيات القرآنية إنَّما هي في محاجَّة أهلها ومناقشتهم، فمن لم يعرفها يصعب عليه فهم تلك الآيات الكثيرة، بل ربَّما يكون الأمر الأعظم من ذلك.
وأحبُّ أن ألقي في كلمتي هذه بعض الضوء على هذه الحقيقة، وإن لم أوفِّها حقّها.
١ - توحيدهم:
كان العرب يعتقدون وجود الله عزَّ وجلّ وربوبيته، وأنَّه الذي يرزق من السماء والأرض، والذي يملك السمع والأبصار، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، ويدبِّر الأمر كلَّه، له الأرض وما فيها، رب السماوات السبع ورب العرش العظيم، بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يُجار عليه، خلق السماوات والأرض، وسخر الشمس والقمر، يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر له، ينزّل من السماء ماء فيحيي به الأرض، خلق السماوات والأرض وهو العزيز العليم.