ثالثًا: على قدر المنزلة تكون المسئولية
ينبغي على أهل الدعوة أن يتذكروا دومًا بأنه على قدر المنزلة تكون المسئولية، بمعنى أن الله عز وجل اختارهم على علم للقيام بأشرف مهمة ألا وهي مهمة إيقاظ الأمة وإقامة المشروع الإسلامي، فهم منتدبون ومكلفون من الله عز وجل لأدائها، فلا بد وأن يكونوا على مستوى تلك المسئولية من عمل متواصل، وجهاد دائم، وأي تهاون أو تكاسل أو تفريط لن يمر بسهولة، وستدفع الدعوة ثمنه باهظًا {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: ٣٨].
إن نعمة الاختيار للقيام بالدعوة لابد أن يقابله حُسن أدائها .. قال صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى أقوامًا يختصهم بالنعم لمنافع العباد ويقرهم فيها ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم فحولها إلى غيرهم» (١).
تأمل معي ما خاطب الله عز وجل به الصحابة رضوان الله عليهم عندما تباطأ بعضهم عن الخروج لغزوة تبوك بسبب الحر الشديد اللاهب، وبسبب قرب نضج ثمار التمر، الذي كان يعد بمثابة المحصول الأول لهم وقوام حياتهم، ورغم أنهم لم يطلبوا سوى تأجيل الخروج لبعض الوقت حتى ينكسر الحر، ويجمعوا التمر.
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ - إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: ٣٨، ٣٩].
مع العلم بأن هؤلاء الأفذاذ كانت لهم سابقة طويلة من الجهاد والتضحية والبذل بصورة لم يسبق لها مثيل، ولكن - كما أشرنا - على قدر المنزلة تكون المسئولية.
رابعًا: سبب الابتلاء قد يكون من جانب أبناء الدعوة
كان عدد الجيش في غزوة أحد سبعمائة فرد وكان على رأسهم الرسول صلى الله عليه وسلم، وكبار الصحابة، وبدأت المعركة وحقق الجيش المسلم انتصارًا باهرًا بعون من الله عز وجل، ثم حدث من الرماة ما حدث من مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بعدم مغادرة أماكنهم أعلى الجبل -مهما حدث- إلا بإذنه ..
هنا تحولت الريح لتكون مع الكافرين، وأذن الله لهم أن يهزموا المسلمين ويقتلوا منهم سبعين رجلاً، وكان من بينهم أسد الله حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير، وعبد الله ابن جحش، وسعد بن الربيع، وأنس بن النضر، وغيرهم من كبار الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين- وفوق هذا كله أصيب الرسول صلى الله عليه وسلم إصابات بالغة .. كل ذلك لم يكن بسبب قوة الكفار، ولكن بسبب مخالفة الرماة لأمر من أوامر الرسول صلى الله عليه وسلم.
ولكن كم كانت تبلغ نسبة الرماة الذين غادروا أماكنهم بالمقارنة بعدد الجيش حتى تكون مخالفتهم هي السبب في هذه المصيبة العظيمة التي وقعت؟
لقد كان عدد الذين خالفوا من الرماة أربعين رجلاً، وكان إجمالي عدد الجيش سبعمائة، أي أن نسبتهم لم تتجاوز ستة بالمائة من إجمالي العدد!!
ولكن ألا توافقني - أخي القارئ - أنها نسبة ضئيلة مقارنة بالغالبية الملتزمة بالأوامر؟!
نعم، هي كذلك ولكن الأمر عند الله لا يقاس بهذه الطريقة وخاصة فيما يتعلق بأصحاب الدعوات.
(١) صحيح الجامع الصغير.