وعندما أراد مشركوا مكة قتل خبيب بن عدي رضي الله عنه طلب منهم أن يتركوه ليركع ركعتين، فوافقوا. فركع ركعتين أتمهما وأحسنهما، ثم أقبل على القوم فقال: أما والله، لولا أن تظنوا أني إنما طوَّلت جزعًا من القتل لاستكثرت من الصلاة. ثم رفعوه على خشبة، فلما أوثقوه قال: اللهم إنَّا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يُصنع بنا ..
وبعد أن صلبوه أنشد شعرًا قال فيه:
فذا العرش صبِّرني على ما يُراد بي ... فقد بضعوا لحمي وقد بان مطمعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شِلْوٍ ممزَّع
لعمري ما أحفِلْ إذا مت مسلمًا ... على أي حال كان في الله مضجعي (١)
ومن ثمار الإيمان
سابعًا: اختفاء الظواهر السلبية وقلة المشكلات بين الأفراد
عندما يضعف الإيمان: يعلو الهوى ويسيطر على الإرادة.
والهوى هو كل ما تميل إليه النفس، أي أن غلبة الهوى معناها سيطرة النفس بأطماعها على إرادة الإنسان وقلبه، فيصبح أسيًرا لها.
فالنفس شحيحة تحب الاستئثار بكل ما تظن أن فيه نفعها فينشأ عن هذا الهوى - عندما يتمكن من القلب - الطمع والظلم والبخل والتعدي على حقوق الآخرين.
والنفس تريد دومًا العلو على الآخرين وتكره أن يتميز عليها أحد فينتج عن ذلك الحسد والحقد.
والنفس تكره الظهور بمظهر المخطئ فينشأ عن هذا الهوى عندما يسيطر على القلب: الكذب والغش والخداع ..
والنفس تكره المشاقّ والتكاليف فينشأ عن ذلك: الفسوق وعدم القيام بالأوامر الشرعية ...
وهكذا تنطلق جميع الظواهر السلبية والمشكلات من ضعف الإيمان وغلبة هوى النفس.
والحل الأول والأمثل لعلاج المجتمع المسلم من ظواهره السلبية إنما يكون بإصلاح الإيمان، فكلما ازداد الإيمان في القلوب انحسر تأثير الهوى عليها وقويت الإرادة ودفعت صاحبها لمكارم الأخلاق ومعاليها .. تأمل قول الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [ص/٢٤].
إيقاظ الإيمان هو البداية الصحيحة لحل المشكلات:
إن العمل على زيادة الإيمان في القلوب هو الحل الأول لكثير من المشكلات، ففي ظل الأجواء الإيمانية تذعن القلوب لداعي العفو والصفح والتسامح والتغاض عن الهفوات، فالإيمان يصنع المعجزات، ويروض النفوس، لذلك فإنه ليس من المناسب أن نحكم على شخص ما حكمًا نهائيا من خلال سلوكياته التي قد تبدو منه في حالة ضعف إيمانه، وليس من المناسب كذلك أن تدفعنا تلك التصرفات إلى مواجهته واتخاذ موقف مضاد منه؛ لأن ذلك قد يؤدي إلى الاجتهاد في الانتصار لنفسه وإثبات صحة موقفه، فتزداد الأمور تعقيدًا، لذلك فالمقترح في مثل هذه الحالات أن تكون البداية هي العمل على إيقاظ الإيمان في القلوب، فتتحول تدريجيًّا الأجواء المحيطة إلى أجواء صحية يسعى فيها الجميع إلى مرضاة الله عز وجل.
ففي مثل هذه الأجواء الإيمانية تصبح - في الغالب - نفس المرء وراءه وليست أمامه، عند ذلك ستتغير الدوافع، وتنتهي الكثير من المشكلات تلقائيًّا بإذن الله.
ليس معنى هذا هو انعدام حدوث المشكلات بين الأفراد، فالطبيعة البشرية وما تحمله من ضعف تأبى ذلك، ولكنها - إن حدثت - تكون هينة، عارضة سرعان ما تزول عندما يسمع أصحابها حادي الإيمان ينادي عليهم أن اتقوا الله {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص/٣٠].
(١) سيرة ابن هشام (٢/ ١٧٢)، وسيرة ابن كثير (٣/ ١٣٠)، وحلية الأولياء لأبي نُعيم (١/ ١١٣)، وسير أعلام النبلاء للذهبي (١/ ٤٨).