٨٤٣٢ - ابن عباس: حدثني أبو سفيان بنُ حربٍ من فيهِ إلى فيَّ قال: انطلقتُ في المدَّةِ التي كانت بيني وبينَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: فبينا أنا بالشام إذ جيئ بكتابٍ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقلَ: وكان دحيةُ الكلبيُّ جاءَ به فدفعهُ إلى عظيم بُصري، فدفعه عظيم بُصري إلى هرقلَ، فقال هرقلُ: هل ههنا أحدٌ من قوم هذا الرجلِ الذي يزعمُ أنه نبيٌّ؟ قالوا: نعم، فدُعيتُ في نفرٍ من
⦗٤٣٣⦘ قريشٍ، فدخلنا على هرقلَ فأجلسنا بين يديه، فقال: أيُّكم أقربُ نسباً من هذا الرجلِ الذي يزعمُ أنه نبيُّ؟ فقلتُ: أنا فأجلسُوني بين يديه وأجلسُوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانهِ، فقال: قل لهؤلاءِ إني سائلُ هذا عن هذا الرجلِ الذي يزعمُ أنه نبيٌ، فإنْ كذبني فكذِّبوُه، وأيم الله لولا أن يؤثروا على الكذب لكذبت، ثم قال لترجمانه: سلهُ كيف حسبُه فيكم؟ قلتُ: هو فينا ذو حسبٍ، قال: فهلْ كان من آبائهِ من ملكٍ؟ قلتُ: لا قال: فهل كنتمُ تتهمونه بالكذبِ قبل أن يقولَ ما قالَ؟ قلتُ: لا، قال: فهل يتبعه أشراف الناس أم ضعفاؤهم؟ قلتُ: بل ضعفاؤهم، قال: أيزيدون أم ينقصُونَ؟ قلتُ: بل يزيدون، قال: فهلْ يرتدُّ أحدٌ منهم عن دينه بعد أنْ يدخلَ فيه سخطةً له؟ قلتُ: لا، قال فهل قاتلتمُوه؟ قلتُ: نعم، قال: فكيف كان قتالُكم إياه؟ قلتُ: تكونُ الحربُ بيننا وبينه سجالاً، يصيبُ منا ونُصيبُ منه، قال: فهل يغدُرُ؟ قلتُ: لا، ونحن منه في هذه المدةِ لا ندري ما هو صانعٌ فيها، قال: والله ما أمكنني من كلمةٍ أدخل فيها شيئًا غير هذه، قال: فهل قال هذا القولَ أحدٌ قبلهٌ؟ قلتُ: لا، ثمَّ قال لترجمانهِ: قلْ له إنِّي سألتُكَ عن حسبهِ
فيكم، فزعمتَ أنه فيكُم ذو حسبٍ، وكذلك الرسلُ تبعثُ في أحسابِ قومها، وسألتُك هل كان في آبائهِ ملكٌ؟ فزعمت أن لا، فقلتُ: لو كان في آبائهِ ملكٌ، قلتُ: رجلٌ يطلبُ مُلكَ آبائهِ، وسألتُك عن أتباعه أضعفاؤهم أمن أشرافُهم؟
فقلتُ: بل ضعفاؤهم، وهم أتباعُ الرسلِ، وسألتُكَ هل كنتمُ تتهمونَه بالكذبِ قبلَ أن يقولَ ما قالَ؟ فزعمتَ أنْ لا، فعرفتُ أنه لم يكنْ ليدع الكذبَ على الناسِ ثمَّ يذهبُ فيكذبُ على الله، وسألتُك هل يرتدُّ أحدٌ منهم عن دينهِ بعدَ أنْ يدخلَ فيه سخطةً له؟ فزعمتَ أن لا، وكذلك الإِيمانُ إذا خالطَ بشاشتُه القلوبَ، وسألتُك هل يزيدونَ أو ينقصونَ؟ فزعمتَ أنهم يزيدونَ، وكذلكَ الإِيمانُ حتَّى يتمَّ، وسألتكَ هل قاتلتمُوه؟ فزعمتَ أنكم قاتلتمُوه، فتكونُ الحربُ بينكم وبينه سجالاً، ينالُ منكم، وتنالونَ منه، وكذلك الرسلُ تُبتلى، ثمَّ تكونُ لها العاقبةُ، وسألتُكَ هل يغدرُ؟ فزعمتَ أنه لا يغدرُ، وكذلك الرسلُ لا تغدرُ، وسألتُكَ هل قالَ هذا القولَ أحدٌ قبله؟ فزعمتَ أنْ لا، فقلتُ لو كان قالَ هذا القول أحدٌ قبله قلتُ: رجلٌ ائتمَّ بقولٍ قيل قبلهُ، ثمَّ قال بما يأمرُكُم؟ قلنا: يأمرُنا بالصلاةِ والزكاةِ والصلةِ والعفافِ، قال: إن يكُ
⦗٤٣٤⦘ ما تقولُ حقًّا فإنه نبيٌّ، وقد كنتُ أعلمُ أنه خارجٌ، ولم أكُ أظنَّه منكم، ولو أنيِّ أعلمُ أنيِّ أخلصُ إليه لأحببتُ لقاءهُ، ولو كنتُ عندهُ لغسلتُ عن قدميه، وليبلغنَّ ملكهُ ما تحت قدميَّ، ثمَّ دعا بكتابِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - فقرأهُ، فإذا فيه:((بسم الله الرحمنِ الرحيمِ، من محمدٍ رسولُ الله إلى هرقلَ عظيم الرومِ، سلامٌ على من اتبعَ الهدى، أما بعدُ: فإنيِّ أدعوكَ بدعايةِ الإِسلامِ، أسلمْ تسلَمَ، وأسلمْ يؤتكَ الله أجركَ مرتين، فإنْ توليتَ فإنمَّا عليكَ إثمُ الأريسيين، و {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا
نَعْبُدَ إِلَّا الله وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ الله فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ})) [آل عمران: من الآية٦٤]. فلمَّا فرغَ من قراءةِ الكتابِ، ارتفعتِ الأصواتُ عنده وكثُر اللغطُ، وأمرَ بنا فأخرجنا، فقلتُ لأصحابي حين خرجنا: لقد أَمِرَ أمرُ ابن أبي كبشةَ أنَّه ليخافُه ملكُ بنى الأصفر، فمازلتُ موقنًا بأمرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه سيظهرُ، حتَّى أدخلَ الله علىَّ الإِسلامَ،
قال الزهريُّ: فدعا هرقلُ عظماءَ الرومِ، فجمعهُم في دارٍ له، فقال يا معشرَ الرومِ: هل لكُم في الفلاحِ والرشدِ آخرُ الأبدِ، وأنْ يثبتَ لكم مُلككُم؟ فحاصُوا حيصةَ حُمرِ الوحشِ إلى الأبوابِ فوجدوها قد أُغلقت، قال: عليَّ بهم، فدعا بهم فقال: إنِّي اختبرتُ شدَّتكُم على دينكُم فقد رأيتُ منكم الذي أحببتُ، فسجدُوا له ورضُوا عنه (١).