ولكن كم هو عجيب أن ترى بعض أولئك الغافلين؛ الذين استعانوا بنعم الله على معصيته! فصار حالهم كعبد أعطاه سيده مالاً، وأنعم عليه بخير عظيم، فجعل العبد هذا المال عُدَّة له في أذى سيده ومعاداته!
قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين يا أبا حازم؟
قال: إن رأيت بهما خيرًا أعلنته، وإن رأيت بهما شرًا سترته.
قال: فما شكر الأذنين؟
قال: إن سمعت بهما خيرًا وعيته، وإن سمعت بهما شرًا أخفيته.
قال: ما شكر اليدين؟
قال: لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقًا لله هو فيهما.
قال: ما شكر البطن؟
قال: أن يكون أسفله طعامًا، وأعلاه علمًا.
قال: ما شكر الفرج؟
قال: كما قال الله تبارك وتعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}[المؤمنون: ٧].
قال: فما شكر الرجلين؟
قال: إن رأيت حيًا غبطته؛ استعملتَ بهما عمله، وإن رأيت ميتًا مقته؛ كفقتهما عن عمله، وأنت شاكر لله.
وأما من شكر بلسانه، ولم يشكر بجميع أعضائه؛ فمثله كمثل رجل له كساء، فأخذ بطرفه ولم يلبسه، فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر! ».