مرَّ بعضهم بسكة من السكك فإذا بباب فُتحَ وخرج منه صبي يستغيث ويبكي، وأمه خلفه تطرده حتى خرج، فأغلقت الباب في وجهه، ودخلت، فذهب الصبي غير بعيد، ثم وقف مفكرًا، فلم يجد له مأوى غير البيت الذي أخرج منه ولا من يؤويه غير والدته، فرجع مكسور القلب، حزينًا، فوجد الباب مرتجًا، فتوسده ووضع خده على عتبة الباب، ونام فخرجت أمه، فلما رأته على تلك الحال لم تملك أن رمت نفسها عليه، والتزمته تقبله وتبكي، وتقول: يا ولدي أين تذهب عني؟ ومن يؤويك سواي؟ ألم أقل لك: لا تخالفني، ولا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة بك، والشفقة عليك، وإرادتي الخير لك؟ ثم أخذته ودخلت.
أخي:«فتأمل قول الأم: لا تحملني بمعصيتك لي على خلاف ما جبلت عليه من الرحمة والشفقة، وتأمل قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لله أرحم بعباده من الوالدة بولدها» وأين تقع رحمة الوالدة من رحمة الله التي وسعت كل شيء؟ ! فإذا أغضبه العبد بمعصيته فقد استدعى منه صرف تلك الرحمة عنه، فإذا تاب إليه فقد استدعى منه ما هو أهله وأولى له». [الإمام ابن القيم].
أخي في الله: غرقنا في بحر الذنوب .. وأخذ الماء بالكَظَم .. ولا منجي ولا ملجأ إلا إلى الرحيم واسع الكرم.
أخي: فها هي التوبة معروضة .. وما أسهل منالها في سوق مكسودة .. فبادر .. ثم بادر .. والعجل .. العجل .. قبل زوال النعم .. وحلول النِّقَم .. فهنالك لا تقال العثرات .. ولا تستدرك الزلات .. قد حضر الجميع أمام ملك عادل .. وحَكَم فاصل .. ميزانه منصوب .. وقد دنت الكروب .. وجفت القلوب .. فآهٍٍ يومها من