ومن كان من أهل العلم والمعرفة ونظر في أدلة أهل السنة وأدلة غيرهم عرف حقيقة ذلك إن نور الله قلبه وأزال انطماس بصيرته. ومن نظر في كتب الحديث وتأمل في سيرته - صلى الله عليه وسلم - من حين بعثه الله تعالى إلى أن توفاه علم مترلة الشيخين عنده وأنهما كانا عنده في أعظم المنازل لأنه كان يقربهما ويدنيهما ويستشيرهما وكانا يقضيان ويفتيان بحضرته ويراجعانه في بعض الأمور وربما أنه أراد أن يفعل بعض الأشياء أو يأمر بها فيريان أو أحدهما خلاف ذلك فيراجعان النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد يكرران عليه المراجعة فيرجع إلى قولهما أو قول أحدهما ولو كان ذلك غير حق لما رجع إليه ووافق عليه وإلا كان فاعلا خطأ أو مقرا عليه وهو معصوم من ذلك.
والرافضة قبحهم الله إذا أقيمت عليهم الحجة يمثل ذلك يقولون إنما كان يوافقهما أو يوافق أحدهما تقية قاتلهم الله أنى يؤفكون. فإن القول بالتقية يستلزم أن لا يوثق بشيء من أقواله أو أفعاله - صلى الله عليه وسلم - إذ أن ذاك كله على قولهم يحتمل التقية فيلزمهم إبطال الشريعة والأحكام. ولا يقال إن مراجعة الشيخين أو أحدهما للنبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض الأشياء سوء أدب أو مخالفة لأمره لأنهما علما رضاه بذلك وسروره به ورغبته فيه، وما ذلك إلا لعظم مترلتهما عنده. ونزل كثير من آيات القرآن موافقا لرأي عمر رضي الله عنه وعاتب الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في مخالفته رأي عمر في قصة أسرى بدر كما هو مبسوط في كتب الأئمة.
ولما بعث الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - كان أعظم قائم بنصرته أبو بكر رضي الله عنه فكان يعينه على تبليغ رسالة ربه ويدعو الناس إلى الدخول في دينه ويدفع عنه من يتعرض له.