للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{فَأَرَادَ رَبُّكَ} (١) فوجه نسبة الإرادة إلى الرب- سبحانه-، أن هذه الإرادة وقعت على قوله: {أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} ومعلوم أن ذلك لا يكون من فعل البشر، ولا بإرادته، لأن بقاءهما في الحياة حتى يبلغا الأشد لا يدخل تحت طاقة البشر، ولا تصح نسبته إلى غير الرب- عز وجل-.

ولهذا يقول الخضر عليه السلام: {رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} (٢).

هذا ما خطر بالبال عند الوقوف على هذا السؤال. ولم أقف على كلام لأحد من أهل التفسير فيما يتعلق بذلك، ولا أمكن البحث لكتب التفسير.

وفي هذه القصة شيء آخر، يحسن السؤال عنه، وهو أنه قال بعد خرق السفينة:


(١) قال الرازي في تفسيره (٢١/ ١٦٢): قال: {فأردت أن أعيبها} وقال: {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً} وقال: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} كيف اختلفت الإضافة في هذه الإرادات الثلاث وهي كلها في قصة واحدة وفعل واحد؟ والجواب: أنه لما ذكر العيب أضافه إلى إرادة نفسه فقال أردت أن أعيبها ولما ذكر القتل عبر عن نفسه بلفظ الجمع تنبيها على أنه من العظماء في علوم الحكمة فلم يقدم على هذا القتل إلا لحكمة عالية، ولما ذكر رعاية مصالح اليتيمين لأجل صلاح أبيهما أضافه إلى الله تعالى، لأن المتكفل. بمصالح الأبناء لرعاية حق الآباء ليس إلا الله سبحانه وتعالى.
وقال الزمخشري: ولقد تأملت من فصاحة هذه الآي والمخالفة بينها في الأسلوب عجبا. ألا تراه في الأولى أسند الفعل إلى ضميره خاصة بقوله: {فأردت أن أعيبها}، وأسنده في الثانية إلى ضمير الجماعة والمعظم نفسه في قوله {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا}، {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا}، ولعل إسناد الأول إلى نفسه خاصة من باب الأدب مع الله تعالى، لأن المراد عيب، فتأدب ثم نسب الإعابة إلى نفسه، وأما إسناد الثاني إلى الضمير المذكور، فالظاهر أنه من باب قوله خواص الملك: أمرنا بكذا، أو دبرنا كذا، وإنما يعنون أمر الملك ودبر، ويدل على ذلك قوله في الثالثة: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا} فانظر كيف تغايرت هذه الأساليب ولم تأت على نمط واحد مكرر يمجها السمع وينبو عنها، ثم انفجرت هذه المحالفة على رعاية الأسرار المذكورة، فسبحان اللطف الخبير.
حاشية الكشاف (٣/ ٦٠٧) وانظر: "روح المعاني" للألوسى (١٥/ ١٦)
(٢) [الكهف: ٨٢]