عاصر الشوكاني المذاهب والفرق والطوائف الدينية المختلفة، والتي كان له معها مواقفه الخاصة، فكان ناقدا لجوانب الخطأ في مقولاتها، ومزكيا لجوانب الحق والصواب من آرائها ومناهجها.
وفي ظل الحكم الإمامي الزيدي عاصر الشوكاني عصبية مذهبية وسلالية وجمودا على أقوال العلماء والأئمة، دونما بحث عن الدليل من قبل أرباب التعصب والمقلدين، فكانت للشوكاني أدواره الإيجابية في تشخيص ظاهرة التعصب، ومحاربتها بقلمه، وتدريسه، وفتاواه، وكان له رأيه السياسي في حل الفتنة العصبية التي أطلق عليها (فتنة العاصمة- صنعاء) عام ١٨٢٣ م. فاستجاب إمام زمانه لمقترحاته التي طالبت بنفي رؤساء تلك الفتنة إلى سجون متعددة، بعيدة عن العاصمة.
ويعد الاجتهاد- وهو شرط من شروط الإمامة في المذهب الزيدي- ميزة استطاع الشوكاني في ظله أن يصل إلى درجة الاجتهاد المطلق، وبذلك تمكن من الانخلاع عن المذهبية، فانتقد المتعصبين في كل مذاهب المسلمين، وقام بالدعوة إلى التمسك بالإسلام جملة، وإلى عدم التعصب لأقوال العلماء أو الأئمة بل الالتزام بالكتاب والسنة، اللذين أمرنا الله باتباعهما (١).
وكان اليمنيون قبل دخول المذهب الزيدي متمذهبين بالمذهبين المالكي والشافعي، وقد انقرض المذهب المالكي، وبقي المذهب الشافعي سائدا في المناطق الوسطى والجنوبية والساحلية من اليمن، وكان الشوكاني من الأعلام الذين دعوا إلى اتباع السنة ومذهب السلف الصالح، بدون تعصب لمذهب ما من مذاهب المسلمين، وإنما هو الاقتفاء للحق والدليل فهما رائداه في كل ما يقرأ ويرجح من آراء.
(١) انظر كتاب "القول المفيد في حكم التقليد" بتحقيقنا. الطبعة الثانية