وقال ابن تيمية في "الفتاوى" (٤/ ٢٥٣): أن الله قادر أن يعلم الملائكة بما في نفس العبد كيف شاء كما هو قادر على أن يطلع بعض البشر على ما في الإنسان. ثم قال: وقد قيل في قوله تعالى: {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} أن المراد به الملائكة: والله قد جعل الملائكة تلقي في نفس العبد الخواطر، كما قال عبد الله بن مسعود: "إن للملك لمة وللشيطان لمة، فلمة الملك تصديق بالحق ووعد بالخير، ولمة الشيطان تكذيب بالحق وإيعاد بالشر". وقد ثبت عنه في الصحيح أنه قال: "ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الملائكة، وقرينه من الجن، قالوا: وإياك يا رسول الله؟ قال: وأنا، إلا أن الله قد أعانني عليه فلا يأمرني إلا بخير". (٢) جراي: بتشديد الراء وفتح الياء، وفيه لغة أخر بالمد أي "جرائي" من "أجلي". انظر: "تاج العروس" (١/ ٧٢) القاموس المحيط (ص١٧٤٩ - ١٦٥٠). (٣) قال الحافظ في "الفتح" (١١/ ٣٢٥): قال المازري: ذهب ابن الباقلاني يعني ومن تبعه إلى أن من عزم على المعصية بقلبه ووطن عليها نفسه أنه يأثم، وحمل الأحاديث الواردة في العفو عمن هم بسيئة ولم يعملها على الخاطر الذي يمر بالقلب ولا يستقر. قال المازري: وخالفه كثير من الفقهاء والمحدثين والمتكلمين، ونقل ذلك نص الشافعي. ويؤيده قوله في حديث أبي هريرة فيما أخرجه مسلم من طريق همام عنه بلفظ "فأنا أغفرها له ما لم يعملها". فإن الظاهر أن المراد بالعمل هنا عمل الجارحة بالمعصية المهموم به. وتعقبه عياض بأن عامة السلف وأهل العلم على ما قال ابن الباقلاني لاتفاقهم على المؤاخذة بأعمال القلوب. لكنهم قالوا: إن العزم على السيئة يكتب سيئة مجردة لا السيئة التي هم أن يعملها، كمن يأمر بتحصيل معصية، ثم لا يفعلها بعد حصولها، فإنه يأثم بالأمر المذكور لا بالمعصية ... وهنا قسم آخر وهو من فعل المعصية ولم يتب ثم هم أن يعود إليها فإنه يعاقب على الإصرار كما جزم ابن المبارك وغيره في تفسير قوله تعالى: {ولم يصروا على ما فعلوا} ويؤيد أن الإصرار معصية اتفاقًا، فمن عزم على المعصية وصمم عليها كتبت عليه سيئة، فإذا عملها كتبت عليه معصية ثانية. قال النووي: وهذا ظاهر حسن لا مزيد عليه، وقد تظاهرت نصوص الشريعة بالمؤاخذة على عزم القلب المستقر كقوله تعالى: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة} وقوله: {اجتنبوا كثيرًا من الظن} وغير ذلك.