للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله عليه وآله وسلم - سئل عن الوسوسة؟ فكبر ثلاثًا، وقال: ذاك صريح الإيمان ".

وأخرج مسلم (١)، وغيره (٢) من حديث أبي هريرة قال: "جاء أناس من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- إلى رسول الله، فقالوا: إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به؟ قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان".

وأخرج مسلم (٣) وغيره (٤) عن عبد الله بن مسعود قال: "سئل النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- عن الوسوسة؟ فقال: تلك محض الإيمان".

وأخرج أحمد (٥) من حديث عائشة: "أن الناس سألوا رسول الله، عن الوسوسة التي يجدها أحدهم، لأن يسقط من عند الثريا أحب إليه من أن يتكلم به؟ قال؟ ذاك محض الإيمان".

وأخرج نحوه: الجماعة (٦) من حديث ابن مسعود، وفيه: "ذاك صريح الإيمان".

وأخرج نحوه مسلم (٧)، وأبو داود (٨) من حديث أبي هريرة، والطبراني في "الأوسط" (٩) من حديث ابن عباس.


(١) في صحيحه رقم (١٣٢).
(٢) كأبي داود رقم (٥١١١) وابن حبان رقم (١٤٥، ١٤٨). وهو حديث صحيح.
(٣) في صحيحه رقم (١٣٣).
(٤) كابن حبان في صحيحه رقم (١٤٩). وهو حديث صحيح.
(٥) في "المسند" (٦/ ١٠٦) بإسناد ضعيف.
(٦) تقدم.
(٧) في صحيحه رقم (١٣٢).
(٨) في "السنن" (٥١١١) وقد تقدم.
(٩) لم أجده في "الأوسط" من حديث ابن عباس. وهو في "الصغير" (٢/ ٢٣٧ - الروض الداني) من حديث ابن عباس بسند ضعيف.
وذكره الهيثمي في "المجمع" (١/ ٣٤) وقال: رواه الطبراني في "الصغير" ورجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني منتصر بن محمد أبو منصور البغدادي. ترجم له الخطيب في "تاريخه" (١٣/ ٢٦٩) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً.
للعلماء أقول في تفسير قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين سئل عن الوسوسة: "ذلك محض الإيمان" منها:
ما ذكره المازري في "المعلم بفوائد مسلم" (١/ ٢١٠ - ٢١١): أما قوله: "ذلك محض الإيمان" فلا يصح أن يراد به أن الوسوسة هي الإيمان؛ لأن الإيمان هو اليقين، وإنما الإشارة إلى ما وجدوا من الخوف من الله تعالى أن يعاقبوا على ما وقع في أنفسهم فكأنه يقول: جزعكم من هذا هو محض الإيمان، إذ الخوف من الله تعالى ينافي الشك فيه، فإذا تقرر هذا تبين أن هذا التبويب المذكور- في بعض نسخ مسلم "باب الوسوسة محض الإيمان"- غلط على مقتضى ظاهره.
وأما أمره عليه السلام لهم عند وجود ذلك أن يقول: "آمنت بالله" فإن ظاهره أنه أمرهم أن يدفعوا الخواطر بالإعراض عنها والرد لها من غير استدلال ولا نظر في إبطالها، والذي يقال في هذا المعنى: إن الخواطر على قسمين:
فأما التي ليست بمستقرة ولا اجتلبتها شبهة طرأت فهي التي تدفع بالإعراض عنها، وعلى هذا يحمل الحديث، وعلى مثلها ينطلق اسم الوسوسة، فكأنه لما كان أمرا طارئا على غير أصل دفع بغير نظر في دليل إذ لا أصل له ينظر فيه.
وأما الخواطر المستقرة التي أوجبتها الشبهة فإنها لا تدفع إلا بالاستدلال، ونظر في إبطالها، ومن هذا المعنى حديث "لا عددي"- سيأتي قريبًا-.
وقيل سبب الوسوسة علامة الإيمان لأن الشيطان إنما يوسوس لمن أيس من إغرائه من أهل الإيمان القوي.
وقيل: الوقوف عن الاسترسال مع وساوس الشيطان ودفعها وإثبات خالق لا خالق له هو محض الإيمان.