للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الديلمي (١) عن معاذ مرفوعا:» إن إبليس له خرطوم كخرطوم الكلب واضعه على قلب ابن آدم، يذكره الشهوات واللذات، ويأتيه بالأماني، ويأتيه بالوسوسة على قلبه ليشككه في ربه، فإذا قال العبد: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، وأعوذ بالله أن يحضرون، إن الله هو السميع العليم، خنس الخرطوم عن القلب «.

والأحاديث في هذا الباب كثيرة، بالغة حد التواتر.

وقد دلت على أمور: منها أن للشيطان قدرة على تشكيك الإنسان حتى يشككه في خالقه، ويخطر بباله -بوسوسته- أن يقول في نفسه: من خلق الله؟ فانظر إلى أي مرتبة بلغ اللعين في الوسوسة؟ خيل إلى الإنسان أن خالقه مخلوق؟ وتشعب في ذهنه من وسوسته أن خالق هذا الرب الذي خلق الخلق [٥ أ] من ذا هو؟ وناهيك بهذا المبلغ الذي بلغه اللعين، والمكان الذي وصل إليه.

ثم أرشد -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- هذا الذي وسوس له الشيطان، وأدخله في هذا الشك العظيم، والممارة- الكبيرة أن يقول: آمنت بالله (٢) ورسوله، وأن يستعيذ (٣) بالله


(١) لم أجده في "الفردوس بمأثور الخطاب".
وقد أخرج أبو يعلى في "المسند" رقم (١٥٤٦/ ٤٣٠١) عن أنس مرفوعًا بلفظ "إن الشيطان واضع خطمه على قلب ابن آدم، فإن ذكر الله خنس، وإن نسي التقم قلبه فذلك الوسواس الخناس".
وأورده الهيثمي في "المجمع" (٧/ ١٤٩) وقال: رواه أبو يعلى وفيه عدي ابن أبي عمارة وهو ضعيف.
قلت: وزياد النميري: ضعيف. والخلاصة أن الحديث ضعيف.
(٢) قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "قل آمنت بالله" أمر بتذكر الإيمان الشرعي واشتغال القلب به لتمحى تلك الشبهات، وتضمحل تلك الترهات لها، وهذه كلها أدوية للقلوب السليمة الصحيحة المستقيمة التي تعرض الترهات لها، ولا تمكث فيها، فإذا استعملت هذه الأدوية على نحو ما أمر به بقيت القلوب على صحتها وانخفضت سلامتها، فأما القلوب التي تمكنت أمراض الشبه فيها، ولم تقدر على دفع ما حل بها بتلك الأدوية المذكورة فلا بد من مشافهتها بالدليل الفعلي والبرهان القطعي.
انظر: "المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم" (١/ ٣٤٥ - ٣٤٦).
(٣) قوله: "فليستعذ بالله ولينته" لما كانت هذه الوساوس من إلقاء الشيطان ولا قوة لأحد بدفعه إلا بمعونة الله وكفايته أمر بالالتجاء إليه والتعويل في دفع ضرره عليه، وذلك معنى الاستعاذة على ما يأتي. ثم عقب ذلك بالأمر بالانتهاء عن تلك الوساوس والخواطر. أي عن الالتفات إليها والإصغاء نحوها، بل يعرض عنها، ولا يبالي بها، وليس ذلك نهيا عن إيقاع ما وقع منها ولا عن ألا يقع منه لأن ذلك ليس داخلاً تحت الاختيار ولا الكسب، فلا يكلف بها.
"المفهم" للقرطبي (١/ ٣٤٥) "فتح الباري" (٦/ ٣٤١).