للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا إذا تدبر الإنسان المعاصي الشرعية التي ثبت النهي عنها فإنه يجدها لا محالة ناشئة عن حب الدنيا؛ إذ المعاصي بأسرها لا تكون إلا لمحبة المال، أو لمحبة الشرف، أو لقضاء شهوة جسمانية أو نفسانية، والمحبة لكل هذه أو لبعضها هي من محبة الدنيا بلا شك ولا شبهة.

ومن أعظم ما يشهد لمعنى حديث: " حب الدنيا رأس كل خطيئة " (١) الأحاديث الواردة في ذم حب الشرف والمال كحديث: " ما ذئبان ضاريان " (٢)، وهو حديث


(١) تقدم تخريجه.
(٢) ورد من حديث ابن عمر وابن عباس وأبي هريرة وأسامة بن زيد وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم أجمعين.
- أما حديث ابن عمر فقد أخرجه البزار (٤/ ٢٣٤ رقم ٣٦٠٨ - كشف) عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما ذئبان ضاريان في حظيرة يأكلان ويفسدان بأضر فيها من حب الشرف وحب المال في دين المرء المسلم ".
قال البزار: لا نعلمه يروى عن ابن عمر إلا من هذا الوجه، وأورده الهيثمي في " المجمع " (١٠/ ٢٥٠)، وقال: " رواه البزار، وفيه قطبة بن العلاء وقد وثق، وبقية رجاله ثقات ".
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (٧/ ٨٩)، والقضاعي في " مسند الشهاب " (٢/ ٢٦ رقم ٨١٢)، والعقيلي في " الضعفاء " (٣/ ٤٨٧)، وابن حجر في " اللسان " (٤/ ٤٧٣ - ٤٧٤).
- وأما حديث ابن عباس فقد أخرجه الطبراني في " الأوسط " (١/ ٤٧٠ رقم ٨٥٥)، وفي " الكبير " (١٠/ ٣٨٨ رقم ١٠٧٧٩) عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ما ذئبان ضاريان باتا في غنم بأفسد لها من حب ابن آدم الشرف والمال ".
وأورده الهيثمي في " المجمع " (١٠/ ٢٥٠)، وقال: " رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عيسى بن ميمون، وهو ضعيف، وقد وثق "، ولم ينسبه الهيثمي للطبراني في " الكبير " كما هو شرطه.
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (٣/ ٢٢٠)، وقال: " هذا حديث غريب من حديث محمد بن كعب عن ابن عباس، لم نكتبه إلا من هذا الوجه ".
- وأما حديث أبي هريرة فقد أخرجه أبو يعلى في " المسند " (١١/ ٣٣١ رقم ٦٠٩/ ٦٤٤٩) عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: " ما ذئبان ضاريان جائعان في غنم افترقت، أحدهما في أولها، والآخر في آخرها، بأسرع فسادا من امرئ في دينه يحب شرف الدنيا ومالها ".
وأورده الهيثمي في " المجمع " (١٠/ ٢٥٠)، وقال: " رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح غير محمد بن عبد الملك بن زنجويه، وعبد الله بن محمد بن عقيل، وقد وثقا ".
وأورده ابن حجر في " المطالب العالية " (٣/ ٢٠٧ رقم ٣٣٧٢)، وعزاه إلى أبي يعلى، وقال البوصيري: " رواه أبو يعلى والطبراني بإسناد جيد ".
وأخرجه أبو نعيم في " الحلية " (٧/ ٨٩)، والقضاعي في " مسند الشهاب " (٢/ ٢٥ رقم ٨١١) و (٢/ ٢٦ رقم ٨١٣)، والطبراني في " الأوسط " (١/ ٤٣٢ رقم ٧٧٦) من طريق آخر.
- وأما حديث أسامة بن زيد فقد أخرجه الطبراني في " الصغير " (٢/ ١٤٩ رقم ٩٤٣ - الروض الداني)، وفي " الأوسط " والضياء في " المختارة "، كما في " تخريج أحاديث إحياء علوم الدين " (٤/ ١٨٨٦) عنه بلفظ: " ما ذئبان ضاريان باتا في حظيرة فيها غنم يفترسان ويأكلان بأسرع فسادا من طلب المال والشرف في دين المسلم ".
- وأما حديث أبي سعيد الخدري فقد أخرجه الطبراني في " الأوسط " كما في " المجمع " (١٠/ ٢٥٠) عنه بلفظ: " ما ذئبان ضاريان في زريبة غنم فيها فسادا من طلب المال والشرف في دين المسلم "، وفيه خالد بن يزيد العمري، وهو كذاب.
والخلاصة أن الحديث صحيح بمجموع طرقه.