للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

البحث الرابع: الجواب عن قوله - كثر الله فوائده - حاكيًا عن غيره أن معنى: " أنا سيد ولد آدم ولا فخر " أن المعنى لا فخر أكمل منه، فيقال: هذا المعنى لم يكن المقصود من هذا الحديث الصحيح، بل المقصود منه أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أخبر الناس عن هذه المزية التي جعلها الله له، وهي السيادة العامة (١) الثابتة على جميع ولد آدم، وإنه لم يقصد بذلك إلا إخبارهم بما من الله به عليه وشرفه به، لا أنه مقدر بذلك الفخر، فإنه منهي عنه بالكتاب والسنة، فكيف يصدر عنه؟ (٢)

البحث الخامس: الجواب عن قوله - كثر الله فوائده -: هل المراد بالظالم الحالف، بمعنى أن حلفه وفجوره من جملة الظلم، أو المراد المحلوف له إلخ؟ فيقال: مرادهم بهذا الكلام المكذوب الباطل أنهم إذا حلفوا لمن يعتقدون أنه ظالم فإن هذه اليمين لا تلزمهم، ولا تثبت عليهم حكمًا، ولا يتعلق لهم إرادة للمعنى الأول؛ لأنهم إنما يريدون تخليص أنفسهم عما أخذ عليهم من اليمين أو الأمان أو البيعة أو نحو ذلك.

البحث السادس: الجواب عن قوله: " ثلاث من كن فيه كن عليه " إلخ، فيقال: لم يكن هذا اللفظ حديثًا ولا مرويًا عن صحابي، ولكن قال بعض العلماء: ثلاث يعود


(١) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم (٣/ ٦٦): إنما قال هذا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تحدثًا بنعمة الله تعالى، وقد أمره الله تعالى بهذا، ونصيحة لنا بتعريفنا حقه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وقال القاضي عياض: قيل: السيد: الذي يفوق قومه والذي يفزع إليه في الشدائد، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيدهم في الدنيا والآخرة.
وقال القرطبي في " المفهم " (١/ ٤٢٦): أي: المقدم عليهم، والسيد هو الذي يسود قومه، أي: يفوقهم بما جمع من الخصال الحميدة بحيث يلجئون إليه، ويعولون عليه في مهماتهم، وقد تحقق كمال تلك المعاني كلها لنبينا محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ذلك المقام الذي يحمده ويغبطه فيه الأولون والآخرون، ويشهد له بذلك النبيون والمرسلون، وهذه حكمة عرض الشفاعة على خيار الأنبياء، فكلهم تبرأ منها ودلى على غيره إلى أن بلغت محلها، واستقرت في نصابها.
(٢) في هامش المخطوط في المقدر الذي يقتضيه المقام مصححًا لهذا المعنى؛ لأنه وقع ما يقدر الافتخار، ومن هو في مقام النبوة أبعد عن القصد إلى ما لا يليق، وأحرص على كل حسن.