للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقدم ... ولعله يريد أنه لم يثبت في الصحيح إلا من طريقه كما سلف.

البحث الثاني: في ذكر كلام أهل العلم في تفسير الشبهات (١)، وبيان ما هو الراجح لدى المجيب - غفر الله له -. فقيل: إنها ما تعارضت فيه الأدلة وقيل: إنها ما اختلف فيه العلماء، وقيل: المراد بها قسم المكروه، لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك، وقيل: هي المباح. ويؤيد الأول والثاني ما وقع في رواية للبخاري (٢) بلفظ: "لا يعلمها كثير من الناس". وفي رواية للترمذي (٣) "لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام". ومفهوم قوله: "كثيرا" أن معرفة حكمها ممكن، لكن للقليل من الناس، وهم المجتهدون؛ فالشبهات على هذا في حق غيرهم.

وقد يقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين. ويؤيد الثالث والرابع ما وقع في رواية لابن حبان (٤) بلفظ: "اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال، من فعل استبرأ لعرضه ودينه".

فعلى هذين قد تضمن الحديث [٥] تقسيم الأحكام إلى ثلاثة أشياء (٥)، وهو تقسيم صحيح، لأن الشيء إما أن ينص الشارع على طلبه مع الوعيد على تركه، أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله، أو لا ينص على واحد منهما. فالأول: الحلال البين. والثاني الحرام البين. والثالث: المشتبه لخفائه، فلا يدرى أحلال هو أم حرام؟.

وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه، لأنه إن كان في نفس الأمر حراما فقد برئ من


(١) انظر "إكمال المعلم بفوائد مسلم" (٥/ ٢٨٧).
(٢) رقم (٥٢).
(٣) في "السنن" رقم (١٢٠٥).
(٤) في صحيحه رقم (٥٥٦٩).
(٥) انظر "مجموع الفتاوى" لابن تيمية (١٧/ ٣٨٥).